شاركت يوم الجمعة 13 يونيو 2025 في الندوة الدولية التي نظمها المنتدى المتوسطي للأبحاث والدراسات القانونية والاستراتيجية بمدينة طنجة، تحت عنوان: "مقاربات إشكالية الهجرة في حوض المتوسط بين أبعاد التنمية ومقتضيات حقوق الإنسان".
وقد تمحورت مداخلتي حول مجموعة من المحاور ذات البعد السوسيولوجي، التي تسلط الضوء على التحولات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بإشكالية الهجرة، وعلى الأدوار الرمزية والمادية التي لعبها الفاعلون الجمعويون في هذا الحقل.
أبرزتُ بدايةً أن الحديث عن المشروع الحقوقي والإنساني لا يمكن فصله عن السياق التاريخي الذي نشأ فيه هذا الفعل، والذي تؤسسه دينامية نضالية انخرطت فيها منذ مطلع الألفية بعض الجمعيات القاعدية. فهذه الجمعيات لم تكتف بالخطاب، بل مارست التضامن في معناه العملي، حيث وجدت في أماكن الهشاشة القصوى، إلى جانب المهاجرين الذين عاشوا في ظروف لا إنسانية، داخل غابات معزولة مثل بليونش، كوركو وسيدي معافة بوجدة. هناك، حيث غاب حضور الدولة، حضرت هذه الجمعيات لتملأ الفراغ عبر تقديم المساعدات الإنسانية، وتوفير أشكال أولية من الدعم والرعاية، في سياق يُظهر هشاشة البنى الاجتماعية تجاه ظاهرة الهجرة.
وقد نبهتُ إلى أن تلك المرحلة كانت تُميزها ندرة الجمعيات المنخرطة فعليًا في الدفاع عن حقوق المهاجرين، حيث تطلّب الأمر شجاعة سياسية وأخلاقية في مواجهة نظرة مجتمعية مشبعة بالتمييز، وسلطوية تُقارب الهجرة باعتبارها تهديدًا أكثر منها ظاهرة اجتماعية تستدعي الفهم والمعالجة. وقد تابعت هذه الجمعيات، من موقع الفاعل الميداني، التحولات التي طرأت على أوضاع المهاجرين، بدءًا من أحداث سبتة ومليلية، وعمليات الترحيل القسري نحو الحدود الجزائرية أو إلى جنوب المغرب، مرورًا بحوادث مأساوية مثل وفاة موسى صيك وشارل ندور، إلى غاية أحداث حي العرفان، التي فجّرت أزمة ثقة بين السكان المحليين والمهاجرين، على خلفية ما أُشيع حول الاستيلاء على الشقق، وهو ما يعكس في جوهره توترًا بنيويًا ناتجًا عن غياب سياسات إدماج فعالة وعادلة.
كما توقفت عند التحول النوعي الذي عرفه هذا المسار مع انخراط هذه الجمعيات، ومنها الجمعية التي أنتمي إليها -جمعية اللقاء المتوسطي للهجرة والتنميةARMID، في ورش "الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء"، التي اعتُبرت بمثابة لحظة مفصلية في بناء مقاربة جديدة للهجرة ترتكز على الاعتراف، والحقوق، والتسوية القانونية. لقد شاركت هذه الجمعيات في اللجنة الإقليمية المكلفة بدراسة طلبات التسوية الاستثنائية للأجانب سنة 2014، وهو ما شكل لحظة من لحظات التحول في دور الفاعل الجمعوي من موقع الاحتجاج إلى موقع الشراكة والاقتراح.
إن الجمعية التي أمثلها، والتي كانت في صلب هذا المسار، لا تزال، رغم محدودية الإمكانيات وغياب الدعم العمومي وفية لمشروعها الحقوقي والتضامني، وتشتغل على سياسة القرب مع المهاجرين، محاولةً دمجهم في المحيط السوسيو-مهني والتربوي والثقافي، عبر مبادرات ميدانية في التكوين، والمواكبة، والدعم الاجتماعي. في المقابل، نشهد اليوم بروز جمعيات جديدة تدّعي حمل المشروع الحقوقي، لكنها غالبًا ما تفتقر إلى الوعي السوسيولوجي بعمق الإشكال، ولا تنطلق من حاجات المهاجرين، ولا تشاركهم همومهم وآمالهم، بل تسقط أحيانًا في مقاربات شكلية تُفرغ الفعل الجمعوي من مضمونه التضامني.
إن المقاربة الحقوقية للهجرة لا يمكن اختزالها في شعارات أو مشاريع ممولة، بل هي التزام طويل النفس، يتطلب رؤية سوسيولوجية نقدية، وانخراطًا فعليًا في المعيش اليومي للهجرة، بما هو فضاء للصراع والتفاوض وإعادة بناء الانتماء والاعتراف المتبادل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire