هل يعيد بنموسى ما فعله الوزير بلعباس في 1965؟
شكل لقاء وزير التعليم بنموسى مساء الاربعاء مع القناة العمومية الثانية صدمة كبيرة لدى الرأي العام تشبه صدمة الصعقة الكهربائية، عندما تعنت وتشبث بقراره القاضي بإقصاء قدماء المجازين من حق التباري على مناصب أساتذة التعاقد بكل إنصاف ومساواة وتكافؤ للفرص بين المواطنين كما يضمنها الدستور الجاري به العمل.
وبدا وزير التربية الوطنية و..و.. أنه غير مبال لا بدستور ولا بمرسوم الوظيفة العمومية ولا حتى بالنظام الأساسي الخاص بالأكاديميات الجهوية الذي يحدد سن العمل لدى الدولة والمؤسسات العمومية في 45 سنة كحد اقصى.
وخلال اللقاء ذاته، قال بنموسى أنه تلقى 43الف طلب ترشيح لتوظيف أساتذة التعاقد/أطر الأكاديميات, خلال 4 أيام الماضية التي تلت الإعلان عن المباراة- وأضاف أن حوالي 43 في المائة منهم حاصلون على ميزة في الباكالوريا وتفادى إعطاء نسبة المرشحين الحاصلين على ميزة في الإجازة أو الماستر. وعبر عن اعتزازه بهذه النسب التي تعكس ، حسبه، جاذبية المباراة خلافا لأرقام السنة الماضية.
ما يريده بنموسى هو التلاميذ لتدريس التلاميذ ، وهي تجربة فاشلة سبق تجريبها في التسعينات عندما اشترط في توظيف المعلمين الحصول على باكالوريا جديدة والسن كان ما بين 18 و22 سنة.
لقاء بنموسى مع دوزيم كشف خطة الوزير لاصلاح التعليم وهي العودة الى الماضي لتجريب المجرب.
وبدا هذا الوزير التكنوقراطي وكأنه يحاور نفسه وهو يحمل آلة حسابية وليس مسؤولا عن مستقبل أولاد الشعب. ويتحدث بعنجهية عن تثمين مهنة التعليم وكأنها نبتة الزعفران أو القنب الهندي.
كما توضح بالملموس أن الهدف من قراره المريب هو إقصاء خريجي جميع الشعب غير التربوية في الجامعة من الالتحاق بمهنة التدريس ولو كانوا يحملون الماستر أو الدكتوراه في السيميائيات أو الطاقة النووية أو الفلسفية....الخ
وبدا أن الوزير لا يستسيغ شيئا إسمه الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه. ما بالك بقدماء المعطين أو مناضلي الإتحاد الوطني لطلبة المغرب الذين أغلق في وجههم باب التشغيل لأكثر من عقدين ومنهم من كان من مؤسسي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في 1992. ورغم مثالب نظام التعاقد لكن عودة الدولة الى تشغيل حاملي الشهادات عد مكسبا هاما لا يمكن إنكاره واستفادت منه 100ألف أسرة أغلبها بلا شك من الطبقات الفقيرة وليس من طبقة الوزير بنموسى أوأخنوش. والكل يعرف الحكاية.
كنت اتمنى أن يتراجع الوزير عن قرار التسقيف والانتقاء الإقصائي أو يتدخل رئيس الحكومة أو أحد حكماء الدولة لتهدئة النفوس.، لكن شيئا من ذلك لم يتم رغم أن غليان الشارع بلغ مبلغا لم نعهده منذ احتجاجات حركة 20 فبراير قبل عقد من الزمن.
ولا شك أن محللي السياسات العمومية في المغرب يدركون دقة المرحلة والمزالق التي قد يذهب اليها الوضع، والمقاربة الأمنية لن تزيد الا في تعقيد الوضع، وتهدد السلم الإجتماعي.
إن خروج الطلبة الى شوارع المدن الجامعيه ورفع شعارات راديكالية ضد النظام ينذر بأن قرار وزير التربية الوطنية قد أفاض الكأس وهيج الشارع المهيج أصلا بعد انتخابات مرت في ظروف انقلاب انتخابي أضر بوجود اليسار والإسلاميين وكل المرشحين الديمقراطيين في المؤسسات المنتخبة، وما تلا ذلك من خرق للدستور فيما يتعلق بفرض التلقيح عبر فرض جواز التلقيح واشتراطه لدخول المؤسسات العمومية ووسائل النقل العام والتنقل داخل المغرب وخارجه، وفي خضم كل هذا تسجيل ارتفاع صاروخي في أسعار المواد الغذائية مما عمق الاحتقان الإجتماعي.
وخلاصة القول ان الوزير بنموسى يجر البلاد الى مزيد من القلاقل التي هي في غنى عنها خصوصا وأن حكومة الملياردير أخنوش فقيرة من الأطر السياسية ذات الانتماء السياسي لأحزاب مستقلة عن الإدارة. اطر قادرة على التنبؤ بردود فعل الشارع حيال القرارات الحكومية الخاطئة. وهذا مظهر من مظاهر ضعف هذه الحكومة التي يسيطر عليها التكنوقراطيون الذين كان لهم باع كبير في معاكسات الطموحات المشروعة للشعب المعربي كأي شعب حر في العالم متعطش للديمقراطية والتنمية والتقدم والإزدهار. وأذكر هنا
بالقرار الشهير ليوسف بلعباس وزير التربية الوطنية في فبراير سنة 1965، والقاضي بحرمان كل تلميذ تجاوز سنه السابعة عشر سنة من التعليم الثانوي، وبالتالي طرد التلاميذ المعنيين بالقرار من السنة الثالثة من التعليم الإعدادي المعروف ب”Brevet”، وهو القرار الذي غير تاريخ المغرب ودشن عهد سنوات الجمر والرصاص التي استمرت الى حدود 1994. ولازال جراح ذلك العهد مستمرة ولم تندمل الى اليوم رغم شعارات العهد الجديد وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة خصوصا بعد فشل الانتقال الديمقراطي في المغرب باعتراف حسن أوريد الناطق السابق باسم القصر الملكي.
لا أريد أن أكون متشائما، لكن كل مؤشرات التشاؤم خلقها لدي قرار بنموسى بالتسقيف ورد فعل الشارع وزادها ما جاء في لقاء بنموسى مع كلحسن على شاشة القناة الثانية "دوزيم". مباشرة. في أول خروج إعلامي له.