لا أسياد فوق سيادة الكرامة والحرية
سمير دياب
شعوبنا العربية مثل باقي شعوب العالم، تنبض بالحب والأمل والحياة، وترغب بأن تفرح وتلعب وتكبر وتعمل وتموت بأمان..
شعوبنا أيضاً، من لحم ودم وحلم وفرح . تطمح للحرية والديمقراطية والأمان والإستقرار.. والتحرر من قيود الاستعمار والإحتلال. والتخلص من نظم الرجعية والتبعية والاستبداد، ومن طغمة رأس المال والتخلف والفساد.
نحن شعب عربي قطًعنا سايكس – بيكو إلى شعوب متنابذه في بلدان متخلفة وضعيفة. وزرع داخل بيتنا كيان إستعماري صهيوني عنصري توسعي، ليشطب فلسطين ويقتلنا. مرة بالنكبة، ومرة بالنكسة. ولم نعرف لملمة فشلنا بتوحيد قوتنا وتحصين مواقفنا ومواجهتنا القومية والوطنية إلا بالتحول إلى القطرية، وإستنفار العصبيات الطائفية والمذهبية والإثنية والعرقية. ودخلنا في رحلة البحث عن "جنس الملائكة، ولم نخرج بعد، من عباءة الإقطاع السياسي وورثته، واستبداد حكم الأمن والعسكر والطائفية وتجددها. لا نعرف غيرهم، تناوبوا علينا منذ الاستقلال، فأجادوا في إستغلالنا وقمعنا وشد الحبال على رقابنا وقتل أحلامنا وشنق حريتنا لمنع تقدمنا، كباقي شعوب العالم. حتى بتنا رهائن للعبهم السياسية والاقتصادية والإنتخابية التي طحنت عظامنا وحولته إلى خبز يومي، لنعيش فقرنا وتقشفنا وبؤسنا بذريعة مقتضيات "المجهود العسكري والأمن القومي". والويل لنا من زعل عيون المسوؤلين، فالعصا لمن عصى.
لقد سقط حكامنا في إمتحان الحرية والوحدة والتطور والتقدم والتنمية البشرية. وأسقطونا في بئر القطرية والفئوية والطائفية والإثنية والعرقية. حتى وصلنا إلى زمن، صار النضال الوطني ضد المحتل الصهيوني "فتنة" تهدد السلام الإبراهيمي. وصار النضال الديمقراطي "مؤامرة" تهدد السلم الأهلي. وعلقنا في أمراض أوجاعنا. فكلما إنتفضنا يزداد الحصار علينا. وكلما تمسكنا بمقاومتنا تزداد حروب الإبادة علينا وعلى أطفالنا، ونيران الأعداء والأخوة تستعجلنا للإستسلام. وعندما نلفت النظر لضرورة تقييم التجربة والإستفادة من الدروس والِعبر. أو طرحنا لفكرة توحيد الصفوف الوطنية السياسية والشعبية، وأهمية قيام جبهة مقاومة وطنية عربية شاملة، والنهوض بمشروع تحرري وطني عربي، تقوم الدنيا ولا تقعد. وتتحرك الجيوش العنكبوتية بخفة وشراسة لتقوم بوظائفها القمعية والترهيبية وكيل الشتائم والتخوين.
لقد تحملت شعوبنا تجارب مرة وقاسية، فقد ناضلت وقاومت وصمدت وصبرت.. ولم ترفع راية بيضاء مًرة. وهي مستعدة دوماً للتضحيات على أمل الوفاء بدماء شهدائها. وعلى حلم بلقاء أبنائها دون إنتظار وإشتياق وبكاء، وعلى رجاء بإحتضان أحفادها ولعب دور الحكواتي لحكايات الف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والزيز، وعنترة.. ولروايات تاريخية وأدبية ورومانسية جميلة.. مثل رجال في الشمس ، أولاد حارتنا، النبي، الارواح المتمردة، عمارة يعقوبيان، صخرة طانيوس ، طواحين بيروت، ذاكرة الجسد، الحرام، مدن الملح، الأم، في بيتنا رجل، الحرب والسلام، دون كيشوت، المحاكمة، المتشائل، مائة عام في العزلة،البؤساء، الأخوة كارامازوف، والحب في المنفى.. والمفاخرة بنضالات العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين، وبتضحيات المقاومين والأسرى والمعتقلين على مدى قرون وعقود .
وإن أنتهت الحرب الباردة ، بيد أن الحرب الإمبريالية – الصهيونية الساخنة مستمرة. والمشروع الإستعماري في الشرق الأوسط الجديد عمق مجالها وأهدافها. فالحروب تحاصرنا وتتربص بنا وتحرمنا من لحظة أمان وفرح، ويلتف من حولنا قصف النار وزنار الحصار والقتل والإغتيال والدمار.. ليس في غزة ولبنان واليمن، إنما على إمتداد الوطن العربي الذي لم يعد حراً وسيداً ومستقلاً، والمستباح للغزوات والحروب والصراعات والإتقاقات الإبراهيمية، التي تدور في فلك إلغاء خريطة فلسطين، وشطب التاريخية الوطنية للشعب الفلسطيني وتهجيره. بعد إكمال الطوق على المقاومة في المنطقة والحكم عليها بالموت أو الاستسلام.
جيل يسلم جيلاً، وشهيد يودع شهيدة، وأسيرة تستقبل أسيراً، وسجين فكر أو رأي سياسي بات رقماً منسياً.. لم يتركوا فكراً حراً إلا وقتلوه أو إعتقلوه. ولا يتركوا ستراً إلا ونزعوه. لكنهم عجزوا على مدى العهود النيل من إرادة الشعوب أو نزع كرامتها الوطنية، أو إنخراط الأجيال في جبهات المقاومة للتحرر الوطني والطبقي.
لقد جرب الإستعمار الإمبريالي والصهيوني منذ نكبة فلسطين، ويكرران التجربة مرة بعد مرة لإخضاعنا، بحروب وإحتلال واجتياح وإبادة جماعية وقتل وارهاب وتدمير وتهجير..الخ. لكن مشهد الصمود بكرامة والمقاومة بصلابة لم يتغير أبداً. لا في فلسطين المحتلة أو لبنان. ولا في العراق والسودان وسوريا ومصر والاردن واليمن، وفي باقي شعوب المنطقة كلها. فالمقاومة الوطنية خيار الكرامة. والكرامة، هي رمز تاريخ نضال شعوب المنطقة والعالم لنيل الحرية. والتاريخ المجبول بعرق العمال والفقراء ودماء شهداء الكرامة من أجل "وطن حر وشعب سعيد"، لا يعرف الهزيمة أو الاستسلام.
7/7/2025
https://www.facebook.com/share/1AXD9dLeP7/