حليم البقالي
استشهد الرفيق مصطفى مزياني بعد 72 يوم من الاضراب عن الطعام الذي
خاضه دفاعا عن حقه الطبيعي في متابعة الدراسة وإطلاق سراحه،
استشهد بعد أن تلذذت أجهزة النظام ومؤسساته في متابعة حالته وهو يسقط
بشكل تدريجي دون أن تستجيب لمطلبه البسيط.
استشهد بعد أن عجزنا كمناضلين عن الدفاع على حقه في الحياة وخلق رأي
عام مساند لمعركته التي هي في العمق معركة كل أبناء الكادحين وكل المدافعين عن الحق
في التعليم.
لذلك لا أبالغ إن قلت أن استشهاد الرفيق مصطفى مزياني يعد محاكمة
مخجلة لمناضلي الحملم وكل الثوريين على تشتتهم وعجزهم عن تجميع قواهم لصد الهجوم
الكاسح الذي يشنه النظام على الحقوق الأساسية للشعب المغربي بما في ذلك الحق في
الحياة، قبل أن يكون كشفا للطبيعة الدموية والفاشية لهذا النظام.
إنني أكتب هذه الأسطر الموجزة وأنا طريح الفراش جراء المضاعفات الصحية
التي أعانيها بسبب فترة الاعتقال التي قضيتها داخل السجن.
أكتب وأنا أحس بألم عائلة الشهيد وهي تودع فلذة كبدها، وأشعر بغضب
رفاقه ورفيقاته وهم يتحسرون على فقدانهم لمناضل شاركهم الحلم بوطن حر وغد مشرق.
أكتب لأقول بإيجاز لكل الرفاق الذين لم يستوعبوا الدروس بعد من
التضحيات الجسيمة التي يقدمها أبناء جماهير شعبنا: أما آن الأوان أن نترفع قليلا
عن ذاتيتنا المفرطة وحلقيتنا الضيقة ونلتفت لهذه التضحيات حتى لا تذهب سدى، ونعيد
قراءة وضعنا ونتقدم خطوات إلى الأمام في اتجاه توفير مستلزمات الدفاع الحقيقي عن
آمال وطموحات الجماهير الشعبية؟
كم يلزمنا من شهيد ومن معتقل حتى نقتنع بأننا سنكون أقوى إن أدركنا
طبيعة الحلقة التي يجب أن نتشبث بها الآن ضمن سلسلة نضالنا الشاق والمرير من أجل
التحرر والانعتاق؟
وكما قلت سابقا فإن معركة الامعاء الفارغة التي خاضها الشهيد حتى لفظ أنفاسه
الأخيرة دفاعا عن الحق في متابعة الدراسة وعن مجانية التعليم وأيضا من أجل إطلاق
سراحه، هي في الأصل معركة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وكافة المعتقلين السياسيين
وكل القوى المناضلة والمناهضة لسياسات النظام في ميدان التعليم، فإلى أي حد كانت
هذه القوى حاضرة ومشاركة في معركة الشهيد؟ وما السر في عدم قدرتها على التأثير في
قرارات النظام لانتزاع هذه المطالب؟
نعم نتفق على أن موازين القوى مختلة بشكل كبير لصالح النظام رغم أزمته
البنيوية، وهو بذلك لا يلتفت إلى مطالب هذه الفئة أو تلك أو هذا المناضل أو ذاك
مهما كانت هذه المطالب سهلة التحقيق أو بسيطة، لكننا حين نمعن النظر في الاحتجاجات
الجماهيرية والفئوية والفردية ونتأمل قليلا في الأساليب التي يعتمدها النظام في
إفشال أهداف هذه الاحتجاجات، فإن أولى الدروس المستخلصة هي استغلاله لتشتت
النضالات وعزلتها وعدم فعاليتها في مواجهة الترسانة الهائلة التي يملكها من أجهزة
قمعية وسجون وقضاء غير مستقل وإعلام مشوه للحقائق وغير ذلك من المؤسسات التي لا هم
لها سوى الدفاع عن مصالحه الحيوية. لذلك فإن مهمة المناضلين الأساسية تكمن في
إيجاد صيغ وآليات توحيد هذه النضالات وترجمة الشعارات والمواقف المرتبطة بعملية
بناء الذات على أرض الواقع، والخروج من مستنقع الحلقية الضيقة وتجاوز وهم القدرة
على صناعة التغيير دون توفير أدواته.
إن كل المعطيات تشير إلى أن مسلسل الهجوم على حقوق ومكتسبات الشعب
المغربي سيستمر بشكل أكثر خطورة وعلى كافة الأصعدة والمستويات، فالسنة المقبلة
ستعرف لا محالة سلسلة من القرارات والاجراءات اللاشعبية التي ستعمق من تدهور الوضع
الاجتماعي للفئات الشعبية الكادحة، وهذه القرارات لا يجب أن تمر بالسهولة التي
يبتغيها النظام لأن في ذلك تحفيز واضح لمؤسساته على مواصلة ضرب كل ما تم انتزاعه
من حقوق على مدى عقود من النضال والتضحيات، وعلى هذا الأساس أعيد طرح بعض
المقترحات لعلها تشكل مدخلا لتوفير الصيغ النضالية الممكنة في مواجهة هذه التحديات:
تفعيل شعار وحدة الأطراف المحسوبة على الجسم القاعدي داخل الجامعة
المغربية والتي تجمعها العديد من القواسم المشتركة نظريا وسياسيا وتنظيميا، على قاعدة
بلورة مطالب مشتركة وبرامج نضالية محلية ووطنية موحدة في أفق توفير شروط إعادة
بناء أوطم.
الدفع في اتجاه توحيد معارك المعتقلين السياسيين على أرضية فرض
الاعتراف بهم معتقلين سياسيين وإطلاق سراحهم دون شروط، مع تنظيم حملات مساندة
لمعاركهم.
توحيد نضالات ضحايا البطالة وعلى رأسهم المعطلين المنظمين في إطار
الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب ومجموعات الأطر العليا المعطلة
وإنزال معارك نضالية مشتركة للدفاع عن الحق في الشغل ومناهضة سياسات الدولة
ومخططاتها في هذا الميدان.
الانخراط بقوة وفعالية في مختلف معارك الطبقة العاملة وتكريس مبدأ
التضامن وسطها والرفع من وعيها الطبقي ودعم الممارسة النقابية الديموقراطية
والكفاحية مع فضح تواطؤ البيروقراطية النقابية مع البرجوازية واندماجها في
السياسات الطبقية للنظام.
إن تفعيل هذه المقترحات وغيرها والعمل على التغلب عن الإكراهات
والعراقيل التي تحول دون تطوير الفعل النضالي الموحد القادر وحده على التأثير في
السياسات الرجعية للنظام، يشكل خير تجسيد لشعار "من يكرم الشهيد يتبع خطاه".
فلنكن جميعا في مستوى تضحيات المناضلين وعموم الجماهير الشعبية،
ولنجعل من عملية توحيد النضالات وتوجيهها نحو عمق الداء وتوفير قيادة منظمة لها
مهمتنا الآنية والمستعجلة.
المجد والخلود للشهيد مصطفى مزياني
وكافة شهداء الشعب المغربي
الحرية لرفاقنا المعتقلين السياسيين