تنهي إدارة مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية، أن فعاليات الدورة الرابعة عشرة للمهرجان، والتي ستنطلق خلال الفترة الممتدة ما بين 23 و26 نونبر 2018، ستعرف تكريم البروفيسورة الألمانية غابرييل براندشتير أستاذة الدراسات المسرحية والرقص بالجامعة الحرة ببرلين، والمديرة المساعدة للمعهد الدولي لتناسج ثقافات العرض. وكذلك تكريم المؤلف والمخرج المسرحي المغربي الحسين الشعبي الذي قدم أعمالا مسرحية أغنت المشهد المسرحي المغربي منذ أواخر السبعينيات.
وحول ندوته الدولية التي تُعقد على مدى أيام المهرجان، سوف يجتمع نقاد وباحثون من مختلف البلدان العربية والأوروبية وكذا الأمريكية، لمناقشة موضوع "عبر الحدود: المسرح وقضايا الهجرة"، تفعيلا للتوصيات التي خلصت إليها ندوة المهرجان في دورته السابقة، واستجابة لحاجة الباحثين والنقاد لتعميق النقاش في موضوع "مسرح ما بعد الهجرة"، من زوايا متشعبة ومداخل متعددة.
دورة هذه السنة من "طنجة المشهدية"، إذن، سوف تتضمن -على غرار الدورات السابقة- جانبا علميا تشمله الجلسات الفكرية لندوة المهرجان الدولية، والتي ستتوزع على أربع محاضرات افتتاحية، وتسع جلسات نقدية، اثنتين منهما مخصصتين للباحثين الشباب، إضافة إلى الجانب الفرجوي الذي سيتضمن ثمانية عروض مسرحية، فيلمين وثائقيين، محاضرة أدائية، ماستر كلاس، ورشة تكوينية، ومعرض للصور الفوتوغرافية التي توثق لذاكرة المسرح والفرجة في المغرب..
يتميز مسرح ما بعد الهجرة بتنوع المنجز وتعدد الفاعلين فيه، إذ يمكن تصنيف مسرحيي المهجر إلى صنفين: من غادر البلاد في سياقات مختلفة بعدما درس في الوطن وناضل داخله ليجد نفسه في النهاية موزعا بين المنافي، ومن ولد وترعرع في الضفة الشمالية؛ وهذا الصنف تحديدا من الجيل الثالث أو الرابع، هو موضوع نقاش ندوة المهرجان في دورته الرابعة عشرة.
لقد هاجر الجيل الأول من المسرحيين العرب إلى الغرب حاملا مسرحه؛ وهو الأمر الذي مكن من تحقيق تداخل ثقافي بين أساليب فرجوية تنتمي إلى الوطن الأم وبلد المهجر، إذ تفاعلت الخصوصية الثقافية مع الثقافات الفنية الأخرى. وبذلك أسس هذا الجيل شراكة إبداعية بين الثقافات، وبلور علاقة الذات بالآخر من خلال الجسد المسرحي. وهنا لم تعد الهوية رهينة موروث ثقافي جامد وثابت، بل حصيلة سيرورة وانبناء دون فقدان السمات المميزة للثقافة الخاصة.
ومع تعاقب الأجيال في المنافي، ظهر جيل جديد من الفنانين من خلفيات ما بعد الهجرة في مجال المسرح وفنون الأداء الذي ينتج فنا عابرا للحدود ويعيش في فضاء «بيني»: منطقة اتصال يصبح التبعثر فيها تجمعًا؛ فمسارح أبناء وأحفاد المهاجرين هي انعكاس لهويات هاربة تروم تأزيم مفاهيم من قبيل: الوطن الأم، اللغة الأم، الثقافة الأم... إذ يقوم فنّانو
المهجر بإعادة كتابة جدلية «نحن» و«هم». وقد أصبح هؤلاء الفنانون (أمثال سيدي العربي الشرقاوي، كريم تروسي، إيميلي جاسر، نورى السماحي...) ليس فقط أكثر تأثيرا في البنى الثقافية لدول المهجر كفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وأمريكا، بل أيضا أكثر حضورا في مهرجانات وملتقيات المدن الكبرى مثل: باريس، وبروكسل، وأمستردام، وبرلين ما بعد الجدار...
يسعى المهرجان من خلال هذه الفقرات، إذن، إلى استكشاف خطابات جديدة تتناول بالدرس والتحليل موضوع: "عبر الحدود: المسرح وقضايا الهجرة" في ظل جماع التحولات التي مست مفهوم المهجر ودلالات المنفى (سواء كان اضطراريا أو اختياريا). وفي هذا السياق تتناسل أسئلة عديدة بخصوص راهن المسرح والهجرة، من قبيل: كيف تحافظ الهجرة على قيمتها بوصفها أفقا للإبداع؟ وما القيمة المضافة التي يجتهد في سبيلها مغتربونا بمن فيهم مغاربة العالم من الفنانين لإضافتها على المسرح وفنون الأداء المعاصرين؟ وما أوجه المقارنة بين إبداعات الجيل الأول من المهاجرين ومنجز الأجيال اللاحقة؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire