كان لوقفات عمال امانور أن تقمع عاجلا أم آجلا. لأن القاعدة هي قمع كافة الأشكال النضالية الموجعة والمزعجة. أما الاستثناء فهو "عدم التدخل" بغاية مرور العاصفة، وانتظار هدوئها، أو الأصح استنزافها على طريق تدميرها.
فواهم من يعتقد أن الأوصياء على "القانون" سيضغطون من أجل إيجاد حل عادل لقضية العمال يجنبهم شر التشرد والضياع! إن مختلف أجهزة النظام مبرمجة على القمع والضغط الناعم تارة/مرة والخشن مرات عديدة من أجل ترهيب العمال والمناضلين وزعزعة كفاحيتهم وبالتالي تقديمهم راكعين عند أقدام الباطرونا المتعنتة التي تتغذى بواسطة تعميق الاستغلال وامتصاص دماء العمال. وهنا تسقط شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وتزول القشة المزركشة التي تخفي البشاعة.
ما حصل يوم 24 يونيو 2020 بطنجة رسالة واضحة الى العمال، مفادها "الباطرونا أمامكم والنظام وراءكم"؛ بمعنى آخر إنكم بالزاوية الضيقة بين سندان الباطرونا ومطرقة النظام. إن القمع والتضييق اللذين طالا وقفة عمال امانور يهدفان الى تسريع وتيرة الاستسلام بتزكية القيادة المركزية البيروقراطية من خلال صمتها وتخاذلها. لقد تجاوز صمود العمال المدى بالنسبة للباطرونا وعرابيها، وبات بالنسبة للنظام ملحمة وجب قطف رأسها. فغرق الباطرونا في خسائرها صار مخيفا، وتوجس النظام من تطور بؤر النضال، وخاصة العمالية، لم يعد خافيا. لذا فمصلحته تلتقي ومصلحة الباطرونا؛ ولابد لمواجهة هذا التحالف الطبقي القاتل من توسيع دائرة النضال على الصعيد الوطني وفك الحصار عن المعارك العمالية. إن العمال أينما وجدوا معنيون بمعركة عمال امانور، وانتصار هذه الأخيرة انتصار لهم جميعا.
معلوم أن تضحيات عمال امانور قد نالت الكثير من التضامن داخل المغرب وخارجه. لكن رغم ذلك، انتصار معركتهم متوقف على المزيد من الصمود والدعم. ومن المغالطات المفضوحة ربط معارك العمال بهذه النقابة أو تلك، ثم ركوب منصة تشفي هذه النقابة في تلك. بدون شك، النقابة المنضوي في صفوفها العمال تتحمل مسؤولية المتابعة وحشد الدعم والسهر على التأطير والإعلام والتواصل، لكن هذا لا يعفي أي نقابة أخرى من إعلان أشكال وأخرى للتضامن وخوض معارك داعمة، وأيضا الانخراط في الأشكال النضالية المشتركة. لا نتوهم حصول ذلك من طرف القيادات البيروقراطية، وإنما الأمر بيد المناضلين النقابيين بهذه النقابة أو تلك. لقد آن الأوان ليبرهن المناضلون النقابيون بمختلف النقابات القطاعية بالخصوص على أن مؤامرة بلقنة العمل النقابي لا يجب أن تمنعهم من الاشتغال على الوحدة العمالية أو أن تنسيهم دورهم في إنجاز هذه المهمة الثورية وقطع الطريق على الانتهازية المقيتة. وإذا كنا مقتنعين بدلالة "يا عمال العالم اتحدوا"، لنساهم من موقعنا في تنزيلها على أرض الواقع.
إن ما حصل يوم 24 يونيو 2020 ليس غريبا أو جديدا. ولنتوقع الأسوأ، لذا فمن المفروض أن يقوي ذلك عزيمة العمال وأن يزيدهم إصرارا على تحقيق الانتصار؛ ليفوتوا على الباطرونا وعرابيها فرصة تعميق جراحهم. فلن يخسروا غير القيود التي تدمي معاصمهم..
نتفهم أن من يده في "الماء" ليس كمن يده في النار، وندرك أن العمال عموما وعمال امانور خصوصا ليسوا في حاجة الى "نصائحنا" و"دموعنا"، وأن قرارهم بيدهم، إنما الغيرة والحرقة النضاليتين تفرضان وكذلك الصدق النضالي تقاسم البوح والمعاناة..
ولنساهم كل من موقعه في خدمة المعارك العمالية، ولو بالتعريف بها وتوسيع إشعاعها وفضح الإجرام المسلط عليها؛ فلذلك كبير الأثر والتأثير...