14 شتنبر 2020
السجن السيئ الذكر راس الماء بفاس
المعتقل السياسي : عبدالوهاب الرماضي
رقم الإعتقال 3834
كورونا-كوفيد 19:أسئلة للتناول.
منذ قرون خلت وفي زمن صعود البرجوازية وسيطرتها سياسيا بعد أن سيطرت اقتصاديا تحدث أحد منظريها، طوماس روبرت مالتوس عن معادلة ذات توازن مختل حدها الأول إنتاج الغذاء والثروة الإجتماعية وحدها الثاني تطور السكان معتبرا ان الطرف الاول يسير وفق متتالية حسابية(1, 2 ,3 ,4 ...) أما الثاني فيسير وفق متتالية هندسية (1, 2 ,4 ,8...) وهذا ما يشكل عنصر تفجير لأزمات كبرى في المستقبل وبالتالي يستدعي الأمر تجاوز الخلل وخلق التوازن. وكان حل مالتوس هو التقليل من عدد السكان وفي سبيل ذلك قدم العديد من الاقتراحات، فبالإضافة الى الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل...، وسياسات تحديد النسل... تحدث عن نشر الحروب والأوبئة... إلخ.
منذ ذلك الحين شهد العالم العديد من الوقائع والاحداث المعبِرة عن هذه الأطروحة، لكن أي إنسان عاقل يقف اليوم ليلقي نظرة على الكرة الارضية سيكتشف وبكل سهولة أن المالتوسية تدب على أربع في مشارق الارض ومغاربها، إذ يبدو الأمر مثل مشهد مريع يقف فيه لوبي المال الذي يقود الرأسمالية الإحتكارية، في مركز العالم معلنا بصوت هادر يصل الى أرجاء الكون، "إن تحقق دورة الرأسمال، وطابعه التراكمي وقانونه الربحي، قانون انتاج فائض القيمة، لم يعد ممكنا دون تدمير القوى المنتجة الخلاقة، دون تدمير الإنسان والبيئة وتلويث ما فوق الأرض وما تحتها، وتلويث العقول...، دون أن نشعلها حربا ضروسا أينما وجدت الثروات والخيرات الطبيعية، دون التفجيرات والمذابح الارهابية الدموية..." .
دون صفقات وقروض التركيع والإذعان، دون الانفلونزا بجميع انواعها ودون إيبولا والسارس وغيرها. ونحن غير مستعدين للتنازل ولو قيد انملة عن هذا الخيار فغيره يساوي الموت لنا في مقابل الحياة للشعوب وللفقراء والمعدَمين الذين أوصى مالتوس بعدم مساعدتهم وبالتخلص منهم.
في هذا المناخ الدولي الملوث بالغازات السامة وبالدماء وبخيبات الأمل يقف العالم مشدوها أمام فيروس قاتل اسمه كوفيد 19 الذي هو فصيلة متطورة لفيروسات السارس، لكن بخصائص جديدة وحدها تطرح علامات استفهام وعلى رأسها سرعة وطريقة انتشار الفايروس العجيبة، فايروس عجيب عرى كل شيئ وأبان مُسخ الرأسمالية بجميع اشكالها الاحتكارية والتبعية.
تتعدد القراءات وزوايا التناول لهذا الفايروس الغريب، مابين العلمي والطبي والسياسي وحتى الديني والاسطوري... لكن تبقى الحقيقة المؤَكدة شاخصة امامنا. نظام عالمي وصل الى مناطحة السموات العلى، وإلى غزو الفضاء وتحقيق الجيوش الالكترونية والفضائية... يقف عاجزا مشلولا في مواجهة هذاالفايروس القاتل... في مقابل ذلك يصرف ارقاما فلكية من الملايير لصناعة الفوضى في العالم كآلية لخلط الأوراق والتمويه عن الحروب الإستعمارية واللصوصية الظالمة أينما وجدت الثروات الطبيعية الثمينة وبأي بقعة من العالم.
كيف لنظام وصل الى صناعة الالاف من الرؤوس النووية القادرة على ان تنهي حياة البشرية وأن تمحي كوكب الأرض في رمشة عين وبضغطة زر واحدة، ان يقف عاجزا في مواجهة هذا الفيروس المتناهي الصغر!!؟ كيف لنظام وصل الى مستويات خيالية في الهندسة الوراثية وفي محكات الجهاز العصبي، والدماغ البشري وغير ذلك من التكنولوجيا والعلوم المتطورة التي وصلت الى درجة يصعب تصديقيها، أن يقف عاجزا مكتوف الأيدي امام هذا الفيروس ولشهور طويلة الى حد الآن!!؟ جزء من الجواب مرتبط ببشاعة الرأسمالية في طورها الاحتكاري وشكلها المُعَولم والنيوليبرالي المتوحش، إذ لم تترك شيءا في الوجود إلا وأدخله في نطاق السوق والتسليع من التجارة في البشر والاعضاء البشرية الى التجارة في المادة الرمادية وفي عواطف ومشاعر الناس طبعا بعد ان استحوذت على خيراتهم وثرواتهم، وصولا الى الفكر والعلم. فلوبيات المال والشركات الإستعمارية المتعددة الجنسيات سيطرت على كل حقول العلم وأخضعتها لمنطقها بعد ان تحكمت في كل تفاصيلها، بعدما اصبحت تمتلك مختبرات للبحث، ما ان يظهر إختراع او إبتكار علمي جديد حتى تتسارع نحوه وتسطو عليه مستعملة لغة المال وأساليب اخرى، لا إنسانية ولا أخلاقية (إجرامية)، فكانت النتيجة بأن العلم الذي وجد منذ البداية كنشاط إنساني خالص (كفاعلية إنسانية) وإمتطاه الإنسان لمواجهة قوى الطبيعة والسيطرة عليها ولأجل حل مشاكله وتلبية حاجاته وتسهيل حياته، ولأجل تحقيق العيش الكريم أولا وأخيرا. أصبح يوظف ضد الإنسان ولأهداف لاإنسانية على يد هذه اللوبيات الباحثة عن الربح ولا شيء غير الربح. (لا أدل على ذلك اكثر من المختبرات السرية المنتشرة عبر العالم وخاصة في البلدان الافريقية وما نتج عنها من فيروسات قاتلة أبرزها إيبولا...) لقد عملت على إكتساح كل القطاعات الإجتماعية مثل الخلايا السرطانية ودمرت كل خلايا المناعة لكل ماهو إنساني. اكتسحت التعليم واصبحت لديها مختبرات للبحث في الجامعات والمعاهد العمومية وأصبحت متحكمة في مناهج ومواد التدريس واكتسحت قطاع الصحة وأصبح حق التداوي بالنسبة للإنسان الفقير مجرد حلم قد يتحقق وقد لا يتحقق، وسيطرت على عالم صناعة الأدويةوالصناعات الإستهلاكية وزرعت كافة انواع السموم وما استتبعها من هشاشة وأمراض خبيثة وفتاكة ومزمنة، ولائحة جرائم تدمير الإنسان تطول وتطول . ألم يقل ميشيل سير"هل سأعيش كثيرا لأرى العلم أملي الأخير يصبح وحشا؟".
ومن منطلق عدم التخمين القطعي للاطروحات والافكار التي يتم الترويج لها نجد انفسننا مرغمين على طرح اسئلة قد تشكل ارضية للتناول في قادم الأيام:
-لماذا ظهور هذا الوباء في هذه الظرفية, وبالضبط تزامنا مع إحتدام وطيس الحرب الإقتصادية مابين لاعبين كبيرين على الساحة الدولية (الصين، الولايات المتحدة الامريكية)؟ وما حقيقة الإتهامات المتبادلة بينهما؟
-إذا كان كوفيد 19 من فصيلة فيروسات السارس فما السر وراء خصائصه الجديدة: سرعة إنتقال العدوى، تحوله الجيني بما يزيد عن 80 الف مرة منذ لحظة ظهوره , طبيعة استهدافه الموجهة بدرجة أولى ضد فئة الشيوخ والعجزة؟ خاصة إذا ما استحضرنا نسبة إرتفاع الشيخوخة بما يفوق 50٪ لدى مجمل الأنظمة الكبرى في العالم!! وما تشكله من ثقل مزمن على الميزانيات!! لدرجة أن معظم هذه الانظمة عمدت إلى مراجعة أنظمة التقاعد، الذي أنتج العديد من الحركات الشعبية لعل ابرز نموذج، إنتفاضة أصحاب السترات الصفراء في فرنسا.
-لماذا تتجه كل خطط الإنقاذ والإنعاش الاقتصادي الى تحميل الشعوب تبعات الأزمة المترتبة عن جائحة كورونا. بدءا من التسليم في التخلص من ملايين مناصب الشغل الى تعميق سياسات التقشف، إلى سن وتشريع العديد من المخططات والقوانين القمعية والمجرمة لحرية ونضال الشعوب؟.
إنه الفيروس المحتوم والقدر المخدوم .
قد يستوقفنا البعض ليقول لنا بأن الاوساط العلمية تكاد تقطع الشك باليقين بان كوفيد 19 هو نتاج محض للطبيعة وإنتقل من الحيوان إلى الانسان وأنه ظهر بالصين لأن هذا البلد يعرف أكبر نسبة التلوث في العالم.
سيكون جوابنا بأن النظام الرأسمالي وشركاته الصناعية الكبرى المسؤول الأول والأخير عن ظواهر التلوث والإحتباس الحراري وعن الدمار الإيكولوجي وتدمير التنوع الطبيعي، وأنه حتى من زاوية بيئية محضة فالرأسمالية فقدت مشروعية الوجود، وقبل كوفيد 19 كانت جوائح عديدة والأكيد ستأتي جوائح اخرى في المستقبل.
إنتهى لنا عودة الى الموضوع .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire