samedi 7 juin 2025

نرجوكم، احترموا طنجة، فهي ليست للعرض، بل للحياة

 


من قلب مواطن صادق، من طنجة... المدينة التي تسكنني أكثر مما أسكنها، أكتب هذه الكلمات لا مدفوعا بغضب عابر، بل بثقل الأسى وحرقة الغيرة على معلمة لم تكن يوما مجرد مساحة مفتوحة، بل كانت فسحة من الروح، ونقطة التقاء بين التاريخ والبحر والإنسان.

أنا مغربي، فخور بانتمائي وهويتي، وكوني من أبناء طنجة يزيدني ارتباطا بهذه المدينة التي لا تشبه غيرها، مدينة كلما مشيت في أزقتها، شعرت أن الحجارة تحفظ صوت الخطى، وأن الجدران تتنفس ملح البحر، وأن الهواء هنا ليس هواء فقط، بل مزيج من الذاكرة والنور والحنين.

لكن القلب يتوجع. يتوجع وأنا أمر اليوم من ساحة فارو، من سور المعكازين، وأجد المكان الذي كان يشبهنا، قد أصبح غريبا عنا. تغير شكله، تبدلت ملامحه، صارت المساحة التي كانت تضج بالحياة، تبدو وكأنها فقدت صوتها، كأنها صدى لمكان آخر لا نعرفه، ولا يعرفنا.

لقد تفاجأنا حقا بالحالة التي أصبحت عليها هذه الساحة، ونحن، سكان المدينة، لم نكن ننتظر "تحسينات" مبتورة عن الروح، ولا "تهيئة" عمياء لا ترى التاريخ، ولا تسمع صوت الحجر العتيق وهو يحتج بصمته. لا نطلب الجمال في صورته الزائفة، بل نطلبه في عمقه، في صدقه، في ارتباطه بجوهر المدينة التي نحب.

إن المنتوج الذي خلفته هذه الأشغال لا يرضي العين، ولا يشبه طموحنا، بل يثير تساؤلاتٍ مؤلمة عن مدى الاحترافية والجدية في التعامل مع فضاءاتٍ حساسة كهذه، وعن مستوى الوعي الجمالي والثقافي لدى من أسندت إليهم هذه المهمة.

ما الذي حدث؟ من صمم هذا المشروع؟ من راقبه؟ من قبله؟

كيف يعقل أن تتحول ساحة فارو، بكل ما تحمله من رمزية، إلى فضاء باهت، مشوه ، لا نبض فيه ولا إبداع؟

عيوب فنية صارخة، اختيارات سطحية، مواد لا تراعي البيئة ولا الذاكرة، وذوق بارد لا يليق بمكان بهذه المكانة.

حتى الإنسان العادي، الذي لا علاقة له بالهندسة أو العمران، يستطيع أن يلتقط بحدسه خللا ما، ارتباكا ما، فراغا ما... فكيف بمن يعرف المدينة، ويقرأها بعيني العاشق لا بعين الزائر؟

كأنهم نسوا أن طنجة ليست مساحة تهيأ بالمتر، بل كائن حي، يتأذى إذا مس في عمقه. كأنهم اعتقدوا أن "التأهيل" يعني فقط تغيير الرخام وتبديل المصابيح، دون أن يسألوا أنفسهم: هل ما نفعل يليق بطنجة؟

هل نحب هذه المدينة حقا حين نعيد تشكيل وجهها دون حب؟ دون عناية؟ دون استشارة لأهلها، لكتابها، لفنانيها، لشيوخها الذين يعرفون كيف كان السور، وماذا تعنيه الجلوسات عند الغروب؟

أشعر بالإهمال... وربما بقسوة في التعامل مع وجه طنجة. كأن الجمالية أصبحت أمرا ثانويا، وكأننا لا نستحق أن تحفظ مدينتنا بعناية واحترام لتاريخها ومكانتها. لا نطلب المستحيل، فقط قليلا من الحب في العمل، قليلا من الإبداع في التخطيط، وكثيرا من الوفاء لذاكرة مدينة لا تموت.

ساحة فارو ليست بلاطة من الرخام، بل مرآة لذاكرتنا الجمعية. والتعامل معها لا يجب أن يكون بتلك الخفة، وذاك البرود.

فطنجة تستحق... تستحق أكثر من هذا المنتوج المرتجل، وأكثر من هذا الجفاء الفني والمعماري.

وما نرجوه، بصدق، هو أن تراجع هذه المشاريع بعين المحبة، لا بعين المقاولة.

بعين التاريخ، لا بعين الربح.

بعين الطنجاوي الذي يجلس عند السور كل غروب، لا بعين الغريب الذي يمر ثم يرحل.

احترموا طنجة، نرجوكم. فهي ليست للعرض، بل للحياة.

محمد اليطفتي 

https://www.facebook.com/share/p/16M439Fxc2/







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire