هل انتهى زمن "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" (26 غشت 1789)؟
هل انتهت الديمقراطية والحرية والأخوة؟
هل انتهى "الرفاه"؟
هل انتهت باريس، مدينة الأنوار؟
هل انتهى عهد "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" (10 دجنبر 1948)؟
هل استنفذت "الجمهورية الخامسة" (05 أكتوبر 1958) شعاراتها ومهامها؟
هل نسي/تناسى الفرنسيون والفرنسيات انتفاضة 1968، وقبل ذلك كمونة باريس...؟
هل انتهى الاستعمار وحان "تجريمه" (حسب ماكرون، الرئيس الفرنسي الحالي)؟
هل انتهى الإجرام والبطش الاستعماريين لفرنسا؟
هل انتهى الاستغلال والنهب لخيرات "المستعمرات"؟
هل انتهت قبضة السرية لأسرار الدولة بشأن الاغتيالات الفرنسية وحلفائها التي طالت أعداء فرنسا وأعداء حلفائها؟
هل انتهت الأحزاب السياسية والنقابات بفرنسا؟
هل انتهت الطبقة العاملة؟
هل انتهى التاريخ الفرنسي؟
أسئلة تهم الدينامية المتفجرة بفرنسا، كما تهم أيضا ما يجري بالجزائر، وكما كانت الحال الى وقت قريب بالسودان، وقبل ذلك بتونس ومصر في إطار أكذوبة "الربيع العربي".
وبصراحة، العنوان للإثارة فقط. لأن ما يجري بفرنسا هو في العمق نفسه ما يجري خارج فرنسا. وأقصد احتداد الصراع الطبقي بدرجات ومستويات متفاوتة.
ولفهم الأمر أكثر، لا بد من طرح السؤال "ماذا يجري بالعالم"؟ ولابد بدون شك من الاشتغال لوضع الأجوبة الملموسة لواقع ملموس. علما أن الاهتمام بالوضع الفرنسي أو الجزائري أو الدولي لا ينفي أهمية وضرورة متابعة أوضاعنا الداخلية.
بدون شك، الحيثيات السياسية والتجارب التاريخية مختلفة وكذلك الأسباب المباشرة وغير المباشرة. ويهمني بهذا الصدد تناول العناصر المشتركة؛ وليس التطرق الى أوضاع كل بلد على حدة، إنها مسؤولية المناضلين والرفاق، كل من موقعه ومسؤوليته. أما العناصر المشتركة، فتتمثل في مجموعة من النقط، وأهمها:
* الخروج الى الشوارع (التظاهر/الانتفاض):
كل التحية للجماهير الشعبية المنتفضة بفرنسا وخارج فرنسا، وخاصة الطبقة العاملة. ومن له ذاكرة لا يمكن أن ينسى (قريبا منا) الانتفاضات الشعبية بالمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والأردن...، قبل حكاية "الربيع العربي" وبعدها..
إنها انتفاضات خلفت الكثير من الشهداء والمعتقلين السياسيين والمشردين..
إنها انتفاضات أغنت تراكمات ورصيد الشعوب المضطهدة وانتزعت الكثير من المكتسبات والحقوق...
إنها انتفاضات شعبية خالدة...
إنها انتفاضات تستحق كل الأوصاف التقديرية الجميلة. لكن رغم ذلك، ماذا عن التحرر والانعتاق.. هل سنظل على مر التاريخ نناضل (نقدم التضحيات أو بمعنى آخر "القرابين") من أجل انتزاع المكتسبات؛ ثم نعيد الكرة من حين الى آخر، الى ما لا نهاية؟
لا تكفي "الأوصاف التقديرية الجميلة" (النرجسية)، ولا أيضا جلد الذات وتبخيس التضحيات (المازوشية)..
باختصار، نريد خروجا الى الشارع بشكل منظم ومؤطر.. نريد خروجا سياسيا حاسما، أو مؤهلا ليكون حاسما..
خرجنا بتونس، وعدنا (أو يبدو أننا نعود) الى نقطة "الصفر".. خرجنا بمصر، وعدنا (أو يبدو أننا نعود) الى نقطة "الصفر".. خرجنا بالمغرب، وعدنا (أو يبدو أننا نعود) الى نقطة الصفر...
الى متى سنبقى نخرج، ثم نعود (أو يبدو أننا نعود) الى نقطة "الصفر"؟
هل قدر الشعوب المضطهدة أن تخرج الى الشوارع وتقدم "الضحايا/القرابين" ثم تعود (او يبدو أنها تعود) الى نقطة "الصفر"؟
إن تجارب الشعوب، في قوتها وفي ضعفها، تشكل التراكم النضالي الذي من خلاله تفرض نفسها وتنتزع مكاسبها وتحقق مطالبها...
بمعنى آخر، فالشعوب لا تعود الى نقطة "الصفر". إنها فعلا تعود، إلا أنها تعود الى درجات ومستويات متقدمة... علما أن أعداء الشعوب بدورها تطور من إمكانياتها لفرض نفسها ومواصلة هيمنتها.. وتصل بها ساديتها، وفق موازين القوى، الى الإجهاز على المكتسبات والإمعان في إذلال المناضلين والقوى المناضلة (الاعتقالات والتضييق على حرية التعبير والرأي وحرية الصحافة والتنظيم والتظاهر والإضراب...).
* غياب الإطار السياسي المنظم والمؤطر:
لا يخفى على أحد الفراغ التنظيمي بفرنسا وخارج فرنسا. وقد تجلى ذلك بوضوح خارج فرنسا، والسودان كمثال صارخ. فرغم الصراخ المنبعث من هنا وهناك، فليس ذلك سوى مناصرة الجهة "الرابحة". فكل التنظيمات والتحالفات السياسية تخدم "أجنداتها" بعيدا عن الأهداف المنشودة من طرف أوسع الجماهير الشعبية، وفي طليعتها الطبقة العاملة. والحديث عن السودان له شجون، فتجربة الحزب الشيوعي السوداني غنية بالدروس، الإيجابي منها والسلبي...
والخطير أن تتحالف التنظيمات السياسية فيما بينها دون اعتبار لتورط هذا التنظيم أو ذاك في هذه الجريمة أو تلك. فبين عشية وضحاها تنتصب القوى المزكية للماضي وأياديها ملطخة بدم الماضي مناصرة للحاضر والمستقبل، ومن بينها القوى الظلامية. وجل التنظيمات الحاضرة في الواجهة تعبر عن جهات سياسية رجعية وأخرى، ليست بالضرورة جهات منتمية أو قريبة من الجهة المعنية بالتغيير والثورة بالدرجة الأولى، أي الطبقة العاملة..
إن الوحدة جميلة بكل المقاييس (المساحيق)، لكن على أي أسس ومن أجل أي أهداف؟ فكم من وحدة من أجل الوحدة ماتت!!
وكم من مغامرة سياسية أو عسكرية فشلت!!
إن بناء الحزب الثوري في معمعان الصراع الطبقي ضرورة ملحة وآنية، وهو ما تلخصه مقولة "بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو"...
كفى من متابعة الواقع الذي يشهد على نفسه بكل البؤر المشتعلة. الى متى سنبقى نراقب أو بعضنا على الأقل حدوث "المعجزات"؛ وكأني بالمتفائلين "زيادة" من قيل عنه " فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا، قَالَ هذَا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ...".
* تكريس/استمرار الغياب التنظيمي، بفرنسا وخارج فرنسا:
يلاحظ الاستمرار في الحضور بالساحات والشوارع، وفي التعبئة لذلك، سواء عبر النقابات أو مختلف وسائل الإعلام ومنها مواقع التواصل الاجتماعي. ويسجل باعتزاز المواجهة النضالية والتحدي البطولي للأجهزة القمعية (مضايقات، تعنيف، اعتقالات، اغتيالات...)، من طرف العمال وعموم الجماهير الشعبية المضطهدة أو المؤهلة لتصير مضطهدة. لكن، ماذا بعد؟
إن الصمود والمقاومة الشعبيين مطلوبان في إدارة أي معركة طبقية. لكن، ماذا عن الهدف المنشود، أي التحرر والانعتاق من قبضة الأنظمة السائدة، خاصة في مرحلة الامبريالية؟ فكيف ننسى انتفاضات الشعوب بتونس ومصر والسودان والجزائر (اليوم)، دون أن ننسى فلسطين وشعوب أمريكا اللاتينية...؟
كيف ننسى التضحيات البطولية المقدمة (البوعزيزي بتونس واعتصامات ميدان التحرير ومحسن فكري بالمغرب...)؟
ما هي الحصيلة/النتيجة؟
لنقل الحقيقة دون تلعثم أو تنميق أو مزايدة.. لنتحل بالجرأة والمسؤولية ولو لمرة واحدة..
هل يكفي الخروج الى الشارع؟
ماذا بعد الخروج الى الشارع؟
هل يكفي خوض الإضراب وتنظيم الوقفات والمسيرات...؟
ماذا بعض خوض كل ذلك، وخاصة بأعداد لا تعكس حقيقة القضايا الكبرى التي نناضل من أجلها؟
خوض الإضراب مطلوب نضاليا، وكذلك الخروج الى الشارع، وأيضا أشكال نضالية متنوعة، سواء كانت عفوية أو منظمة.. التراكم النضالي مطلوب، وهو مصدر إلهام وإبداع لتنظيم الفعل النضالي وبناء أدوات تقويم والسهر على هذا التنظيم، ونقصد بالدرجة الأولى الحزب السياسي الثوري، حزب الطبقة العاملة.
الخلاصة:
لا مناص من الانخراط في الدينامية النضالية الحالية بالسودان والجزائر وفرنسا والمغرب وبأمريكا اللاتينية (...). لكن الاشتغال على بناء الذات المناضلة المنظمة والمؤطرة أولوية سياسية لا تقبل التأجيل تحت أي ذريعة كانت. والتقدم في إنجاز هذه المهمة الثورية، كواجهة/سرعة من بين واجهات أخرى، مؤشر لمدى التقدم في الطريق الصحيح، اي إنجاز الثورة المنشودة بفرنسا وخارج فرنسا..
لا نريد تكرار رواية "فلما أفل، قال لا أحب الآفلين..." (التجريبية القاتلة).
لنكن مبدئيين وواضحين ومسؤولين...
لنكن مخلصين لمرجعيتنا وهويتنا السياسية والإيديولوجية الماركسية اللينينية..
لنتحمل تبعات مواقفنا وشعاراتنا السياسية بكل جرأة نضالية، فلا مجال للعاطفة أو انتظار شفقة أو عطف هذه الجهة أو تلك...
لنصنع الأحداث الكبرى والمؤثرة في الصراع الطبقي..
فليس بالعاطفة (الأخلاق) سنفرض إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو بالعاطفة سننتزع الحقوق...، كما ليس بالعاطفة سنفضح إجرام النظام والقوى الظلامية والشوفينية...
وليس بالمهادنة أو اللطافة سنسمع صوت الحقيقة وآهات المظلومين والمقهورين...
لنكبر (النضج السياسي والتنظيمي)، ونستوعب الرهانات الدولية للإمبريالية والصهيونية والرجعية التي يستمد منها النظام مخططاته الطبقية ويمتثل لتوصيات أدواتها (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...)، ولنعانق هامات الشهداء وبطولات الانتفاضات الشعبية (قبل 20 فبراير وبعدها) وتضحيات العمال والفلاحين الفقراء وباقي أبناء وبنات شعبنا المضطهدين والمضطهدات...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire