يقول المثل المعبر "عند الامتحان يُكرم المرء او يهان"، وحان الوقت لنؤكد أنه عند الشدة أو بلغة علمية عند احتداد الصراع الطبقي يصمد المناضل أو ينهار؛ فلا منزلة بين المنزلتين. إما أن تكون مناضلا صنديدا أو أن تكون تابعا من "التوابع" لجهات تكرس المهادنة والانبطاح. ومن شيم المناضل الثبات على الموقف طالما الموقف سديدا. من حق المناضل الاجتهاد، بل من واجبه ذلك. لكن ليس بداعي "الاجتهاد" يُبرر الارتداد. وكما سجل أحد الحكماء "المثقفون هم أكثر الناس قدرة على الخيانة، لأنهم أكثرهم قدرة على تبريرها". ومن المعلوم والمؤكد أن كل من يحمل لقب مناضل ليس مناضلا حقيقة. إن الآلة الإعلامية الرجعية المُضللة تصنع من الإمعات أبطالا...
إنه من بين مآسي الشعوب المضطهدة ارتداد المناضلين وتعاونهم/تصالحهم (هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، مثلا) مع أعدائهم وأعداء شعوبهم وخاصة القياديين منهم، وشعبنا من بين هذه الشعوب التي أدت الثمن غاليا، ومنذ تصفية المقاومة المسلحة وجيش التحرير في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي. ومن حق المناضلين الصامدين، أي المناضلين الجذريين القابضين على الجمر، أن يتساءلوا/يسألوا عن مصير الأعداد/الأسماء الهائلة التي ارتبطت في فترات ما بالنضال الثوري وبتجربة الحركة الماركسية اللينينية المغربية بالخصوص، من خريجي السجون (المعتقلون السياسيون السابقون) ومن السياسيين والنقابيين والمثقفين وخريجي الجامعات (مناضلو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب السابقون). وما يحز في النفس، حتى أخلاقيا، هو التنكر للشهداء ودمائهم (لا أعمم)، بدءً برفاق المهدي بنبركة وعبد اللطيف زروال وعمر دهكون ورفاقه وعمر بنجلون وسعيدة المنبهي ومحمد كرينة ورحال جبيهة وعبد الحكيم المسكيني وبوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري وعبد الحق شبادة ومحمد ايت الجيد بنعيسى والمعطي بوملي ومصطفى مزياني... (واللائحة طويلة، خاصة وشهداء الانتفاضات الشعبية المنسيين وغير المحصيين). والسؤال المُؤرق، هل الشهيد عمر دهكون والمجموعة وشهداء آخرين منسيين ومنهم شيخ العرب لا رفاق لهم؟
وأستغرب تنظيم ذكرى الشهداء وفي نفس الوقت تغييب الشهداء أو رفاقهم المخلصين لموقفهم ودربهم!! وأدعو بالمناسبة رفاقي وكافة المناضلين، مهما اختلفنا في المرجعية أو في التقدير السياسي للمرحلة وبدون انتقائية مقيتة ومرفوضة وأحكام قيمة وتصفية حسابات، الى قراءة علمية متأنية لتاريخنا الغني بالدروس القيمة والمعطيات المُغيبة بهدف التضليل والتشويش. إن من بين أهم نقط ضعفنا تتجلى في جهلنا لتاريخنا ولواقع الصراع الطبقي راهنا، وللصراعات الهامشية بكل أسف. لا أنفي أو أغفل أهمية استحضار تجارب كل الشعوب المناضلة ورموزها المُناضلة والمُبدعة، وخاصة التجارب الروسية والصينية والكوبية والألبانية والفيتنامية وغيرها كثير بإفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا (...)، لكني أؤكد على أهمية واقعنا الملموس (التحليل الملموس للواقع الملموس). وأبصم بدمي وشرفي النضالي على وجود مناضلين مخلصين لقضية شعبهم وشهداء شعبهم وإنجازات شعبهم ومُقتنعين ومُتشبعين بالنظرية العلمية الماركسية اللينينية. فلا يأس مع الصمود والنضال والتضحية.. إننا نتألم بسبب عجزنا وضعفنا أمام جبروت النظام القائم حليف الرجعية والصهيونية والامبريالية وأمام أزلامه من قوى رجعية (ظلامية وشوفينية...) وإصلاحية وأمام إعلامه المُرتزق الورقي والسمعي والمرئي والالكتروني. لكننا لن نخضع أو نساوم، قد نُخطئ أو نتخلف عن الموعد مرة أو مرتين، لكن سنستمر في درب النضال والشهداء وقضية شعبنا حتى النهاية...
نعيش الآن، لا ريب، الشدة باللغة الأدبية واحتداد الصراع الطبقي باللغة العلمية (الطبقية). ومن مميزات الوضع الراهن الصعب استفحال الاستغلال والاضطهاد الطبقيين في صفوف أوسع الجماهير الشعبية وفي المقدمة الطبقة العاملة. كما أن القمع الصريح و"المُقنع" بات العملة الرائجة في جميع مناحي الحياة السياسية والنقابية والجمعوية. فالعمال يُقمعون والفلاحون الفقراء يقمعون والطلبة يقمعون والأساتذة يقمعون والأطباء يقمعون والمهندسون يقمعون والمستخدمون يقمعون والمعطلون يقمعون والمشردون يقمعون وكل من رفض الطاعة أو عصي الأوامر يُقمع، بمن في ذلك رافضي التلقيح وجواز التلقيح.. والنظام بدوره يلجأ الى سلاح التبرير، وقد وجد فيما يسمى ب"الجائحة" (كورونا) ضالته. فالوقفات والمسيرات التي صارت حتى وقت قريب مكتسبات بفعل التضحيات الجسيمة والنضالات القوية، خاصة بعد انتفاضة 20 فبراير 2011 الخالدة، لم تعُد كذلك؛ شأنها شأن باقي المكتسبات، وذلك انسجاما وأوامر الامبريالية ومؤسساتها المالية وفي ظل تخاذل جل القوى السياسية والقيادات النقابية البيروقراطية.
لا نلوم أحدا من أجل اللوم في ظل ما دُكر من انتكاسات.. لا نبكي الأطلال.. لا نحلم من أجل السكينة وراحة الضمير.. لا نزايد على أحد.. نحن أكبر من ذلك، إننا نلتمس الأعذار للجميع، تفهما وتسامحا رغم غُصة التحاق "الرفاق الشجعان" بصفوف البيروقراطية النقابية والجمعوية والقوى الإصلاحية والتحريفية. والفظيع، ليس "الالتحاق" (غير الرسمي)، بل تقديم الخدمات المجانية (البنزين المُلوث في المُحركات المُهترئة)!! تحملنا الصمت كثيرا، بمعنى أن الصمت موقف "حيادي" و"مجاملاتي" (إيجابي)، لكن تأكد بالفعل، أي عكس ما كنا نظن واهمين، أن الصمت بالفعل ودائما موقف "حيادي" سلبي (إن لم تكن معي، فأنت ضدي)..
نعيش الآن، لا ريب، الشدة باللغة الأدبية والعاطفية واحتداد الصراع الطبقي باللغة العلمية (الطبقية). ونتوجه الى رفاقنا القابضين على الجمر من أجل:
- أولا، الصمود الخلاق والمُبدع في وجه النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي وآلته القمعية المُدمرة، ومُقاومة الانحطاط والخضوع في زمن البُؤس الفكري والتنظير للهزيمة الميدانية. إن التاريخ يُسجل الملاحم والهزائم، فلنكُن من بين صُناع الملاحم، أي صناع المستقبل الاشتراكي، وبالتالي المستقبل الشيوعي؛
- ثانيا، رفع التحدي من خلال الحضور النضالي الميداني المُتميز، بالممارسة موقفا وشعارا، في كل المجالات المتاحة، السياسية والنقابية والجمعوية، وخاصة ساحات العمال والفلاحين الفقراء. فلن نترك الساحة فارغة ليعيث فيها الانتهازيون تضليلا وتشويها وتحريفا، أي ربط النظرية الثورية بالممارسة الثورية؛
- ثالثا، التصدي لمرتزقة التشويه والتضليل ومحترفي التبرير والمهادنة والتحالفات المشبوهة، وبالتالي فضح المشاريع الخيانية الظلامية والشوفينية وغيرها، فليس كل ما يلمع ذهبا...
تمر سنة وتأتي أخرى؛ ماذا عنا، وأعني المناضلين الصادقين، وعن مشروعنا التحرري؟
كفى من البهلوانيات وتوزيع الاتهامات عن بعد والاختباء وراء الستار المكشوف، لقد آن الأوان للانتظام الفعلي من أجل قضية شعب مناضل قدم الشهداء والمعتقلين السياسيين والمشردين من أجل تحرره وانعتاقه...
وأخيرا وبحرقة نضالية، لا معنى ليتيه المناضلون الحقيقيون، ومن يتيه "فلا نضال له"..