mercredi 19 novembre 2025

الحزب الشيوعي الأردني يعتبر قرار مجلس الأمن أداة لإعادة إنتاج الهيمنة


قرار مجلس الأمن أداة لإعادة إنتاج الهيمنة

يأتي قرار مجلس الأمن الأخير ليعبّر عن الرؤية السياسية للولايات المتحدة في إعادة ترتيب المنطقة العربية بعد الهزّة العميقة التي أحدثها الصمود الفلسطيني والمقاومة المسلحة في غزة، وما خلّفته من تصدّعٍ في السردية الصهيونية. وفي هذا السياق، يُقدَّم القرار بوصفه «فرصة للسلام» و«مخرجًا عقلانيًا» من المأزق الإقليمي، بينما هو في جوهره «مشروع قسري» لإعادة تثبيت المعادلة التي حاولت المقاومة كسرها ميدانيًا وسياسيًا.
فالقرار المستند إلى «خطة ترامب» لا يمثّل تقدّمًا حقيقيًا في مسار الحل، بل يلتفّ على الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة. وهو يتبنّى الوصاية الأميركية بقيادة إدارة ترامب وأدواتها من أمثال بلير وكوشنر، في محاولةٍ لإعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني بما يخدم رؤية الهيمنة الأميركية–الصهيونية.
وعلى الرغم من أهمية وقف الحرب وأولويته القصوى من حيث إنقاذ الأرواح ووقف آلة التدمير، فإنّ الخطة المطروحة تخلو من أي مضمون حقيقي يمكن أن يضمن حقوق الشعب الفلسطيني. فهي تتنكر لحقّه في إقامة دولته ذات السيادة، وتحوّل القضية الفلسطينية إلى مجرّد إدارة لتجمّعات سكانية محاصَرة تُدار أمنيًا واقتصاديًا ضمن منظومة الهيمنة الصهيونية–الأميركية. والصيغة المطروحة تُقزِّم القضية إلى أرضٍ مجزّأة للفلسطينيين على شكل «كانتونات» معزولة ومقطّعة الأوصال، في استعادة واضحة لنماذج السيطرة الكولونيالية القديمة، حيث تُفرَض على الشعوب كيانات وظيفية محدودة الصلاحيات تخدم مصالح القوة المهيمنة ولا تعبّر عن إرادة أصحاب الأرض. ومن هنا يصبح مفهوم «السلام» غطاءً دبلوماسيًا لفرض الشروط الأميركية–الصهيونية على الشعب الفلسطيني، ما يجعل القرار أقرب إلى «مشروع استسلام» منه إلى مبادرة سياسية.
ورغم الادعاءات بأنّ القرار قد يهيّئ «ظروفًا مواتية» لمسارٍ موثوق نحو تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية، إلّا أنّ هذا الطرح لا يعدو كونه ترويجًا لوهمٍ سياسيّ؛ فالشروط الموضوعة للبدء بمسار إنشاء الدولة غير قابلة للتحقق. فحقّ الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة قائمٌ على صلابة نضاله وتضحياته. إنّ الأمل الحقيقي يتأسّس على مقاومته وإرادته الحرة، لا على هندسات سياسية تستهدف تصفية قضيته.
إنّ أخطر ما يحمله القرار هو فرض أمرٍ واقعٍ يسدّ الطريق أمام نشوء أي صيغة سياسية جديدة قد تنتج عن تحوّلات في موازين القوى الإقليمية أو عن تغيّرات في الساحة الدولية. فهو يسعى، في بنيته الجوهرية، إلى إحكام الطوق حول القضية الفلسطينية بحيث تبقى محصورة داخل سقف «الخضوع» الذي تفرضه واشنطن وتل أبيب، تحت مظلة الأمر الواقع الاستعماري. وبهذا المعنى، لا يكتفي القرار بتصفية الحاضر، بل يتجرأ أيضًا على «اغتيال مستقبل الدولة الفلسطينية الحقيقية» تحت شعارات السلام والتنمية وإعادة الإعمار. فالقرار يشرعن احتكار الولايات المتحدة للعملية السياسية في المنطقة، ويخلق مرجعية خارج إطار القانون الدولي، ويمثل التفافًا على الحقوق القانونية والإنسانية التي اكتسبها الشعب الفلسطيني عبر صموده بوصف قضيته قضية تحرر وطني هدفها إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال.
وإنّ أكثر ما يؤلم هو تذيّل الأنظمة العربية والإسلامية للموقف الأميركي وتبنّيه على علاته، رغم ما فيه من عيوب وثغرات وأفخاخ، بما عطّل إمكانية تشكيل جبهة تستند إلى معارضة روسية–صينية للتصوّر الأميركي المنسّق مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، من أجل فرض تعديلات جوهرية على مشروع القرار الأميركي. فالقرار يطلب من الفلسطينيين تقديم جميع التنازلات، في حين لا يفرض على العدو أي تنازل.
إنّ اللغة الدبلوماسية الناعمة التي يتحدّث بها القرار تُخفي عملية خطيرة تتمثل في «شرعنة ما أنتجته آلة الحرب الصهيونية» من تهجير وتدمير وتغيير ديموغرافي وسيطرة على الأرض. فالقرار لا يضع إنهاء الاحتلال—باعتباره أصل الأزمة—في صلب المعالجة، بل يتعامل مع «إدارة النزاع» و«تخفيف التوتر»، أي أنه يعيد إنتاج النموذج القديم ذاته الذي أثبت فشله عبر ثلاثة عقود، والذي تعرض للخديعة نفسها عند توقيع اتفاقية أوسلو التي لم تثمر إلا المزيد من المعاناة والاستيطان.
إنّ طبيعة المرحلة تقتضي؛ وحدة الموقف الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة جميع الفصائل وتجديد بنيتها التنظيمية والتمسك بالمنجزات والثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني، واستنهاض دور حركة التحرر العربية للقيام بدورها في التصدي للمشروع الإمبريالي–الصهيوني الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإقامة حلم «إسرائيل الكبرى» على حساب الوطن العربي، ضمن خرائط الشرق الأوسط الجديد منزوع السيادة الوطنية.
عمان في 18/11/2025 
                                                                               المكتب السياسي  
                                                                          للحزب 

الشيوعي الأردني

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire