تفعيلا لمذكرة
التنسيق المشترك الموقعة بين حزب الاستقلال وحزب الاتحاد
الاشتراكي للقوات
الشعبية، وانطلاقا من التحالف التاريخي والاستراتيجي الذي يجمع بينهما، شكلت قيادة
الحزبين لجنة مشتركة لصياغة وبلورة رؤية موحدة للتعامل مع الانتخابات المقبلة.
إن قيادة الحزبين وهي
تعلن عن رؤية موحدة تجاه هذه الإستحقاقات، تؤكد أن مطلب الانتخابات النزيهة والحرة
ظل أحد المطالب المركزية لقوى الحركة الوطنية منذ فجر الاستقلال، كما شكل ركنا
قويا ضمن مطالب الكتلة الوطنية والكتلة الديمقراطية، تجد جذورها ومرجعيتها في جميع
وثائقهما، وفي مختلف المذكرات التي وجهها الحزبان إلى المغفور له جلالة الملك
الحسن الثاني.
انطلاقا من هذا الإرث
المذهبي والفكري الوطني الكبير، يعتبر الحزبان أنه من غير الوارد إطلاقا فصل
النقاش حول الانتخابات عن السياق الوطني الذي تعرفه بلادنا، والذي سبق أن نبها
إليه، فالبلاد أخفقت مجددا في تطوير المسار الديمقراطي الذي دشنته مع إقرار دستور
فاتح يوليوز 2011، والذي شكل ثمرة نضال طويل ومرير ضد الاستبداد والسلطوية، إخفاق
كان نتيجة التدبير الحكومي الكارثي، الذي ارجع البلاد سنوات الى الوراء بفضل نزعة
حكومية غارقة في التسلط والتعصب والانفراد، وهو ما يؤكد صواب الموقف التاريخي لحزب
الاتحاد الاشتراكي الذي رفض عرض المشاركة في الحكومة، كما يبرهن لمن يحتاج إلى
برهان رجحان التحليل الموضوعي العميق الذي بنى عليه المجلس الوطني لحزب الاستقلال
قراره الوطني بالانسحاب من هذه الحكومة.
لذلك نجدد رفضنا
للطريقة والأسلوب والمنهجية التي نهجتها الحكومة، والقائمة على سياسة الأمر
الواقع، و التي لم تكلف نفسها عناء فتح مشاورات مع جميع الأحزاب السياسية بخصوص
الانتخابات، ذلك لأن أحد المكاسب الديمقراطية التاريخية التي حققتها بلادنا بعد
معاناة طويلة مع "زمن ورجالات التزوير الانتخابي" هو التشاور مع الأحزاب
السياسية حول الاستحقاقات الانتخابية، وهو مكتسب انتزعته القوى الوطنية في ظل
الدساتير السابقة، أما وقد انتقلت بلادنا إلى دستور فاتح يوليوز ،2011 فان النقاش
حول الانتخابات المقبلة يتعين أن يشكل امتدادا لذلك النقاش الوطني العمومي، الذي
عرفته بلادنا عقب الخطاب الملكي لتاسع مارس، وإلى غاية إقرار دستور فاتح يوليوز2011
لقد عرف المغرب
تطبيعا مع تحديد جدولة ومواعد الاستحقاقات الانتخابية، انطلق مند عهد حكومة
التناوب، واستمرت فيه الحكومات المتوالية، ولم يتم التنازل عنه إلا مع الحراك
الشعبي الذي عرفته سنة 2011، وهو ما جعل حكومة عباس الفاسي تدعو إلى انتخابات
سابقة لأوانها، مما عجل بتنصيب هذه الحكومة، والتي كان على عاتقها، انسجاما مع هذا
المسلسل، أن تتمم كل الاستحقاقات في سنة 2012، وذلك تجاوبا مع الخطاب الملكي 30
يوليوز 2011، وتجاوبا مع إرادة الشعب في القطع مع مؤسسات ما قبل دستور 2011، وكنا
ننتظر من الحكومة فتح ورش الاستحقاقات الانتخابية، وفق مقاربة تشاركية مع الأحزاب،
وفتح أوراش كبرى سياسية واقتصادية واجتماعية تحفيزا للمشاركة الانتخابية، ذلك أن
أحد التحديات الكبرى التي يتعين أن نواجهها جميعا هي العمل على توفير كافة الشروط،
بغية تشجيع المواطنين والمواطنات على المشاركة في الانتخابات المقبلة.
لقد كان من الواجب
الأخلاقي والسياسي على الحكومة أن تعلن عن فتح المشاورات السياسية مع جميع الأحزاب
السياسية، وحيث أنها اختارت التعاطي الأحادي معها، فإننا نعتبر ذلك محاولة مكشوفة
للمس بنزاهتها والتحكم في نتائجها.
كما أن تحركات بعض
الأطراف في الإدارة الترابية، للضغط على مجموعة من المنتخبين وتوجيههم في اتجاه
بعض الأحزاب، يدفع إلى التساؤل حول مدى التزام الحكومة بضمان نزاهة هذه
الانتخابات. إن ما يزكي هذه القراءة الوطنية الموضوعية، هو التضارب في تصريحات
ورؤى أطراف حكومية حول الانتخابات المقبلة والذي لا يعدو أن يكون توزيعا مرفوضا
للأدوار، لن يحجب حقيقة سياسية دستورية مؤداها مسؤولية رئيس الحكومة عن ملف
الانتخابات، وذلك على الرغم من خطاب المضلومية الذي ما فتئ يستنجد به مجددا للهروب
منها وهو ذاته الخطاب الذي استعمله سنة 2011 لربح الانتخابات.
إن الاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية و حزب الإستقلال، واللذان واجها منذ الاستقلال تزوير الانتخابات
والتحكم الانتخابي الذي ظل واحدا رغم اختلاف المسميات، واللذان تصديا كذلك بقوة
لكل المشاريع الساعية إلى توظيف الدين والتعيين في المناصب السامية للكسب
الانتخابوي، لن يزكيا عملية انتخابية غامضة، وينبهان إلى خطورة توظيف بعض المؤسسات
الدينية، في الدعاية الانتخابوية.
لقد كان منع
"الترحال السياسي" أحد المكتسبات الدستورية الهامة التي أقرها دستور
فاتح يوليوز 2011، والتي ترجمت مطالب التخليق السياسي وتقوية الأحزاب، بيد أن بعض
الأطراف تسعى إلى إفراغ تلك المقتضيات الدستورية من محتواها عبر "عملية توجيه
وتحكم مسبق" في العديد من المنتخبين والمستشارين الجماعيين، وإن التحكم في الانتخابات
والتأثير عليها لا يمكننا إلا أن نقابله بالإدانة والاستنكار وتنبيه من يهمهم
استقرار البلاد، إلى أن أي شكل من أشكال التحكم ستكون نتائجه كارثية على الاستقرار
السياسي في بلادنا.
إن العملية
الانتخابية ليست إجراءات تقنية، بل إنها عملية سياسية ولحظة بارزة لتطوير المسار
الديمقراطي، لا يمكن أن يتم التعامل مع المنظومة القانونية الانتخابية بمنطق
الخطوط الحمراء، لأن جميع القوانين والمراسيم التنظيمية ذات الصلة بالانتخابات
المقبلة، يجب أن تكون موضوع نقاش وتشاور حقيقي وليس صوري، وموضوع تعديلات جوهرية
وليس روتوشات تجميلية.
إن مواقفنا من العديد
من القوانين والنصوص التنظيمية المرتبطة بالانتخابات المقبلة، تنطلق من الإطار
الدستوري الحالي، ومن الكتلة الدستورية برمتها، ذلك أنه ليس من المقبول، أن تجرى
الانتخابات المقبلة بقوانين تنتمي إلى الإطار الدستوري السابق، لذلك فإن نمط
الاقتراع الذي سيتم اعتماده وكذا التقطيع الانتخابي كلها قضايا تحتاج وضوحا
وانتصارا للديمقراطية، وليس تغليبا لهواجس الضبط، كما أن وضعية تدبير العديد من
المدن تفرض إعادة النظر في الميثاق الجماعي، وحلولا دقيقة لاختلالات نظام وحدة
المدينة، هذا بالإضافة إلى موضوع تعامل الإعلام العمومي مع كل من يتصل بالانتخابات
وبالحملات الانتخابية، لذلك نرى ضرورة تعديل كل النصوص المؤطرة للعمليات
الانتخابية انطلاقا من القوانين التنظيمية (قانون الأحزاب، قانون الجهة، القانون
التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب، القانون التنظيمي لمجلس المستشارين.)
كما أن الحزبين
يجددان المطالبة بإحداث لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وهي لجنة يتعين
أن تحتضن نقاشا وطنيا حول كل ما يرتبط بالاستحقاقات المقبلة.
وتأسيسا على كل ذلك، نذكر على أن الحزبين جربا سلاح مقاطعة التزوير
والإفساد الانتخابي في مواجهة السلطوية، طيلة عقود طويلة من تاريخ كفاح الشعب
المغربي، لذلك فإنهما اليوم، مستعدان لتحمل المسؤولية الوطنية، بإمكانية طرح خيار
مقاطعة الانتخابات على الأجهزة التقريرية للحزبين إذا ما تزايدت الأدلة على أن
البلاد ذاهبة إلى انتخابات متحكم فيها وفي نتائجها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire