محمد الشرقاوي
منذ عام 1997، بدأ خلع العمود الفقري تدريجيا من جسد أغلب الأحزاب المغربية بيسارييها فضلا عن يمينييها، فدخلت حقبةَ التآكل والوهن كأنها في نهاية الدورة الخلدونية. بدأت هذه العملية عند استوزار رفاق عبد الرحمن اليوسفي ضمن حكومة "التناوب" رغم اعتراض زعماء الكتلة الديمقراطية وقتها على دور إدريس البصري رجل المرحلة بالنسبة للحسن الثاني. فتشبّع أغلب الوزراء الاتحاديين بنشوة القيادة وبريق الثروة وسفريات الدرجة الاولى وفنادق النجوم الخمسة. وبعد عشر سنوات، أصابتهم النقمة لدى الناخبين في اقتراع مخيب للآمال بعد أن حرقوا جل رأسمالهم السياسي.وفِي 2011، بدأت لعبة جديدة بحكم الضرورة بتدبير ائتلاف حكومي جمع أربعة أحزاب بقيادة بنكيران، قبل أن قررت الكواليس صدّه عن رئاسة حكومة ثانية في أكتوبر 2016، و"تتييك" الورقات عام 2017 بتركيبة حزبية سداسية تحيي "رْباعة" إدريس لشكر من احتضارها السياسي وتعيدها إلى واجهة البرلمان وبعض المناصب. وحافظ الشيوعيون السابقون أو الرفاق القدامى لماركس على بعض المرونة بين الموالاة والمعارضة، وبين مجاراة قرارت بنكيران والتحفظ على مهادنة العثماني. ويشهد شاهد من أهلها عندما يقول نبيل بن عبد الله
إنّ الأغلبية الحكومية الحالية "وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيّم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسوية مرفوضة."
متاهة هذا الأسبوع هي أن ينشطر حفدة علي يعته إلى قبائل سياسية متناحرة كادت أن تُخرج السيوف من غمادها. هي لحظة غير عقلانية وغير سياسية ولا دبلوماسية تعكس أعراض معضلة حكومية كتبت عنها قبل عام في مقال بعنوان "حكومة العثماني ومعضلة الالتهام الذاتي" (عربي 21).
من المفارقات المثيرة أن يكون "التقدم والاشتراكية" وبقية أحزاب الكتلة التي كانت سيدة الموقف الحزبي في التسعينات هي أضعف الأحزاب وأكثرها حيرة وسجالاً بين خياريْ التخندق في المعارضة أو الاصطفاف مع الأغلبية الحكومية حاليا. لم تعد أحزاب طبيعية ولا متجانسة مع قواعدها الشعبية بقدر ما تعيش على جدلية الرضا والنقمة لدى الكواليس حسب أهواء خارجة عن إرادة زعمائها.
مؤشر آخر على شيخوخة هذه الأحزاب تدني شعبيتها في الشارع وشكواها المتكررة منذ سنوات من عزوف الشباب عن المشاركة السياسية. في المقابل، تعمدت الكواليس نقل العمل الحزبي من تربته الطبيعية وأوكسجينه في العراء إلى مختبرها التجريبي بمقاسات معينة من الضوء والحرارة والسماد. وبدأت عملية التسمين الاصطناعي تارة لإلياس العماري، وتارة أخرى لنزار بركة، وبعدهما لعزيز أخنوش، فيما يستمر البحث عن مرشح احتياطي في حقبة العقم السياسي.
كان العلف السياسي فعّالا في زيادة الوزن لدى خرفان "كل الديمقراطيين"، وانتفخ بسرعة جسد "الأصالة والمعاصرة"، وكبرت شهيته، وتضخمت الآمال المعقودة عليه حتى إنتكاسة الخسارة المدوية في انتخابات 2016.
تقلّ حاليا الخرفان القابلة للتسمين باتجاه اقتراع 2021، ويستمر إقحام العلف في حنجرة "التجمع الوطني للأحرار" دون مؤشرات واقعية على قدرته على استمالة القطيع أو إطلاق "التبعبيعة" الانتخابية القوية لضمان استقطاب الناخبين إلى مراكز التصويت. حاولت الكواليس أيضا تركيب قرورن بلاستيكية صينية الصنع على ما يبدو على جمجمة أخنوش لعلّه يتعلم بعض المناطحة ضد "العدالة والتنمية".
قبل أن نسهب في هذه الرحلة مع الأحزاب المغربية على إيقاع حكاية "كليلة ودمنة" لعبد الله ابن المقفع،
يتعين أن تقيم هذه الأحزاب مراجعة متأنية وصريحة مع الذات، وتعيد قراءة علاقتها مع مطالب الشارع من جهة وإرادة الكواليس من جهة أخرى، وأن تخرج من نطاق قراءتها الماضوية إلى تحديات المرحلة بخطط واقعية الطرح غير متخشبة الخطاب.
هي ساعة الحقيقة لهذه الأحزاب وهي تعاين عن كثب كيف أن كواليس المغرب في العقد الثاني من الألفية الجديدة تراهن على استبدال الأحزاب العضوية ذات الرصيد الوطني التاريخي بأحزاب الأنابيب في المختبر التجريبي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire