تضع إشكالية التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني المعارضين والتقدميين المغاربة في وضعية متشعبة ومركبة يمكننا أن نلخصها في ثلاثية ينبني عليها الموقف اللازم التعبير عنه والعمل على تحقيقه ومن ثم الحسم في المواقف في القضايا التي يتمحوى حولها.
ينبني الكلام على التطبيع على :
1. التطبيع الرسمي المخزني مع الكيان الصهيوني وتبعاته المباشرة المتعلقة بالعلاقة مع إسرائيل في مسائل سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وتاريخية (فنية وسياحية وثقافية)
2. ارتباط هذا التطبيع الدبلوماسي بشرط اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب في نهاية رئاسته بسيادة المغرب على الأراضي الصحراوية باكملها وهي كما يعرفها الجميع موضع صراع أمام الشرعية الدولية التي لم تغير شبرا من موقفها لحد الان.
3. تضارب المواقف السياسية الداخلية في المغرب أساسا وفي المغرب العربي خصوصا أمام هذا الموقف الغير المفاجئ والتي يمكن تقسيمها إلى موقفين متباينين نذكرها :
- موقف المخزن وجزء من القوى السياسية المغربية التي تم استدراجها وراء موقفه المؤكد على أولوية الموقف من الصحراء وجزء من الشارع المغربي وكما نلاحظ ان عدة أحزاب قريبة من السلطة اكتفت بالترحيب بالاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ودعم المغرب للفلسطينيين على أساس حل الدولتين، دون أي إشارة إلى مسألة التطبيع. نجد في هذا الموقف قوى سياسية مخزنية، مشاركة في الحكومة وقوى سبق لها أن شاركت فيها او قريبة منها إذ ركز عدد من الأحزاب المنضوية في الائتلاف الحكومي أو القريبة من السلطة على اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، واكتفت بالإشادة بتأكيد ملك المغرب على موقف بلاده «الثابت والداعم» للقضية الفلسطينية.
-موقف المناهضين للتطبيع وهو في جوهره موقف اديولوجي وتاريخي اكثر مما هو عملي صراعي موجه للاستهلاك السياسي النفعي ويتقاسم في الموقف جهات كالنهج الديموقراطي وفدرالية اليسار وجماعة العدل والإحسان. إذ ادانت إلى جانب منظمات مدنية قرار المغرب تطبيع العلاقات مع إسرائيل، معتبرة ما حدث بمثابة «المقايضة الرخيصة والخيانة» .
الصحراء والمقايضة الحقيرة
هذا الحدث له أكثر من دلالة استراتيجية وسياسة لكل الأطراف.
الولايات المتحدة ونهاية حكم ترامب :
أطلق ترامب خطته «صفقة القرن» ، في يناير الماضي، لتشطب على أي أفق لقيام دولة فلسطينية مستقبلية وتبقي القدس تحت سيطرة الاحتلال.
غير أن ترامب لا يزال يرفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات التي أجريت مؤخرا.
في تصريحات جو بايدن، الرئيس الجديد المنتخب، الذي سيتسلم السلطة حال إعلان فوزه رسميا في يناير2021، انه لا زال يلتزم مبدئيا بحل اقامة الدولتين.
الهدف الاستراتيجي وراء سياسة ترامب بعد فشل رؤية الفوضى الخلافة لزرع الحروب وانتشار داعش، والهجوم على إيران وملف السلاح النووي الفتاك ضد الشعب الإيراني وهزيمة الهجوم على النظام السوري، هو تفكيك المنطقة باقحام الرؤية المتصهينة السائدة في المنطقة.
والوصول إلى هذا الهدف، يفرض المراهنة على الدويلات اوالمشيخات الشرق الاوسطية التي ليس لها من الدول الا الاسم والمال وعلى دول لها وزن سياسي وتاريخي. ف
فقد ترامب سوريا. والعراق، ولبنان، وايران، وليبيا والجزائر وتونس، وهدد من الدول العربية الإسلامية التى لا ترى حلا من غير حل الدولتين في حدود 1967 وهذا ما فرض تأكيده على انضمة مطبعة في الخفاء كالمغرب والسعودية.
4 دول من أصل 22 لايعتبر انتصارات لترامب وسياسته خصوصا اذا راجع سياسته الرئيس المنتخب.
أزمة الكيان الصهيوني :
عرف الكيان الصهيوني محاصرة لها نتائج وخيمة على الاقتصاد الصهيوني من جهة وعلى مستقبل علاقاته الخارجية من جهة أخرى.
هذا الحصار جديد وعملت على فرضه عدة دول منها روسيا والصين. وهذا ايجابي في صالح إيران و برنامجها النووي وفشل لحماية إسرائيل من طرف المحافظين الامريكيين.
لعبة الصحراء والمقايضة السياسية للمحافضين الجدد في المغرب :
لم يشكل قرار المغرب التطبيع الكامل للعلاقات مع دولة الاحتلال الصهيوني، مفاجأة للنخب والأحزاب السياسية، بحكم ظروف ومعطيات سابقة كانت تشير بوضوح إلى ذلك، لكن ترسيم ذلك وربطه بالإقرار الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الكبرى، بات هو المعطى الجديد في هذه التطورات، ما دفع النخب و المحللين، إلى اعتبار أن التطبيع المغربي ذر للرماد في أعين المعارضة الداخلية، والتي بات العلم الإسرائيلي يرفرف في الصحراء، إذ شكل في الوقت نفسه، مقايضة فلسطين بالصحراء.
ففي الوقت الذي أشار فيه بيان وزارة الخارجية المغربية إلى دعم حق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة، فإنه لم يتضمن بعض الثوابت التي انبني عليها الموقف المغربي ألا وهي انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في شهر يونيو عام 1967. كما أن البيان المغربي لم يتضمن العبارات الواضحة نفسها التي دأب المغرب على استعمالها كلما تعلق الأمر بالدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.(1)
إن اللافت في البيان المغربي هو التأكيد على أن ما يسمى خطة القرن تتضمن بعض المبادئ التي تتماشى مع الموقف المغربي، خاصة فيما يتعلق بمبدأ حل الدولتين. بيد إن قراءة متأنية لخطة الرئيس ترامب توضح أنها تضرب بعرض الحائط كل قرارات مجلس الأمن وتنسف مبدأ حل الدولتين وتقر بضم إسرائيل لكل الأراضي التي احتلتها عام 1967. كما أن هذه الخطة تقر بأن القدس هي العاصمة غير المقسمة لإسرائيل، ومن ثم فلن تمكن الفلسطينيين من ممارسة سيادتهم على أي شبر من مدينة القدس، بل على أراضِ محاذية للمدينة، تقول إنه سيكون بإمكان الفلسطينيين تسميتها «القدس Al-Quds» أو أي اسم آخر.
إذن وفي آخر المطاف، مقايضة الصحراء بفلسطين، التحرر للصحراء وتخون فلسطين وهذا ما طبع سياسة المغرب تجاه القضيتين منذ عهد الحسن الثاني. ما صرح به وزير الخارجية المغربي يعكس تصور نخبة حاكمة لم تعتبر يوما ما أن القضية الفلسطينية قضية وطنية وقضية تحرر وطني وتعتبر قضية الصحراء كعملة التبادل منذ ابد الابدين.
الصراع المحتمل وحدته
لذلك تتوقع المواجهة بين شارعين، وسيرفع مؤيدو التطبيع في وجه معارضيه في الداخل شعارات منها: "تازة قبل غزة". (تازة مدينة مغربية)، وأن "القضية الوطنية أولا"، وغيرها من الشعارات والتحليلات التي ستتنافس على استساغة الشعب المغربي للموقف الرسمي . فالمغرب هو الوحيد ضمن البلاد العربية من ينص دستوره على أن الثقافة اليهودية مكون أساسي ورافد من روافد هويته الوطنية. (1)
وهذا في مواجهة مواقف المعارضة إذ صرح مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديموقراطي :" استطاع النظام إدماج أحزاب كـ«الاتحاد الاشتراكي» و«حزب التقدّم والاشتراكية»، الشيوعي سابقاً، في بنيته. أيّد هذان الحزبان قرار النظام، حالهما حال الأحزاب الرسمية الأخرى المشاركة في الحكومة أو المعارضة، باستثناء نائبين في البرلمان عن «فدرالية اليسار الديمقراطي». يعتبر النظام أنه نجح في احتواء قسم كبير من الحركة الوطنيىة المغربية، بما فيها «حزب الاستقلال». اليسار الحقيقي، ممثَّلاً بـ«النهج الديمقراطي» و«فدرالية اليسار الديمقراطي» والحركة النقابية المناضلة والحركة الحقوقية والمجتمع المدني النظيف وغير المرتهن للخارج والحراكات الشعبية المستمرة منذ حركة 20 شباط/ فبراير 2011، بقي ثابتاً على موقفه المبدئي. يظنّ النظام أنه من خلال تمكّنه من استيعاب الأحزاب الآنفة الذكر، يستطيع أن يمضي قدماً. لكن ما لا يدركه ربما هو أن هذه القضية متجذّرة في وجدان الشعب المغربي. قد لا يقع ردّ فعل مباشر على ما جرى، لكن القضية ستبقى حاضرة في جميع النضالات والصراعات التي يشهدها المغرب. «الشبكة الديمقراطية المغربية للدفاع عن قضايا الشعوب والقضية الفلسطينية»، التي تضمّ أكثر من 37 تنظيماً وهيئة، وقّعت بيان إدانة لقرار التطبيع الذي كانت تطالب بتجريمه في الماضي. دعت الشبكة إلى وقفة احتجاجية يوم الإثنين، فقام النظام بنشر غير مسبوق لقوات الأمن لمنعها.
بينما صرحت نبيلة منيب باسم الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، على تطبيع العلاقات المغربية مع إسرائيل، معتبرة أن هذه القرار “لا يمثل اختيار شعبيا، وأنه جاء تحت ضغوطات مورست على المغرب”. مؤكدة على أن «أمريكا جعلت العديد من الدول تسارع نحو تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وليس هو اختيار شعبي ناجم عن هذه البلدان، ولكنه أتى تحت ضغوطات، وكذلك الشأن بالنسبة للمغرب».
أما جماعة العدل والإحسان قالت في بيان صادر عن مجلس الإرشاد: «إننا نعلن إدانتنا إدانة شديدة لقرار التطبيع الذي اتخذته السلطة المغربية مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين» ، لافتة إلى أن «هذا القرار يتنافى مع المواقف التاريخية والآنية لهذا الشعب الكريم الداعم لإخوانه في فلسطين، ولحقهم الكامل في تحرير أرضهم والعودة إلى ديارهم» . واعتبرت الجماعة أن «هذا التطبيع خطوة غير محسوبة العواقب، وندعو شعبنا وكل قواه الحية إلى رفضها، والتصدي لها، والعمل على إسقاطها بكل السبل السلمية المتاحة» .
ودعت الجماعة، العقلاء والحكماء من النخب السياسية، والفكرية، والعلمية، والمدنية، وغيرهم في المغرب والجزائر، إلى «نبذ الفرقة وتجنب الخطابات والسلوكيات التي من شأنها أن تباعد الشقة بين أبناء الأمة الواحدة» ، مشيرة إلى أن «المستفيد الوحيد من ذلك هم أعداؤها من الداخل والخارج» .
خاتمة الكلام
المخزن جمد اية معارضة سياسية داخلية رسمية باحتواء مجال الفعل السياسي والاجتماعي او بتعبئة اجهزته القمعية في وجه اية معارضة. قد يكون ضرب حسابا لامكانية نشوء معارضة شعبية لقرار التطبيع فهيا نفسه لها بتجنيد ترسانة بوليسية ضخمة.
لحد الان الجواب المعارض للتطبيع لازال جنيني ومكتفي بالتنديد المبدئي والإيديولوجي الذي لايتجاوز بعض التصريحات.
الا ان موقف إسقاط قرار التطبيع يحتاج إلى تدقيق سياسي.
لا النهج بموقفه « الشعب المغربي قادر على التصدّي والمقاومة، وقواه الحيّة مستعدّة لهذه المرحلة الجديدة» ولا جماعة العدل والإحسان حين يصرح أمينها العام «حكام الجبر يحاولونعبثا ان نسلك مسالكهم ونرحب في ديارنا بالعدو اللذوذ الذي يقتل اخواننا في فلسطين ويشتتهم. تبا لنا وسحقا إن رضينا بذلك. وانه لخزي في دار الدنيا وخسران في الآخرة مبين. اللهم اننا نبرأ إليك مما يفعله حكامنا من تدليس وتدنيس لما يؤمن به المسلمون في بلداننا».
هذين التنظيمين لا يشكلان لحد الان اي خطر على استراتيجية النظام وينتظر ان تتطور الأمور من جهة المجتمع المدني وخصوصا من جهة جبهة مناهضة التطبيع إذ يرى سيون اسيدون، احد رموزها أن لجوء النظام المغربي إلى ربط موافقته على التطبيع بالحصول على اعتراف أميركي بمغربية الصحراء يهدف إلى "تخوين أيّ طرف سياسي يعترض على التطبيع من منظور ما يُقدّمه على أنه مصلحة وطنية للمغرب من جهة، ولتبرير قمع أيّ احتجاج على هذه الخطوة من قِبَل الجهات المناهضة لها من جهة أخرى. هذه الجهات، وهي أحزاب سياسية ونقابات وهيئات حقوقية ومجتمعية، مدركة لخطورة ما يجري، ولتداعياته السلبية عليها. هناك اليوم ما يشبه الجبهة العريضة للتصدّي للقمع وانتهاكات حقوق الإنسان التي تطالها بمجملها. تجتمع هذه القوى أيضاً في دفاعها عن القضية الفلسطينية. ونظراً إلى الأوضاع المستجدّة، الناجمة عن دخول النظام المغربي في حلف عسكري مع الكيان الصهيوني وتحت الوصاية الأميركية، فإننا ندخل مرحلة جديدة من نضالنا من أجل نصرة القضية الفلسطينية تتطلّب تحديد خطّ فاصل واضح بين حلفاء المشروع الصهيوني، والمقاومين للتطبيع مع محتلّي فلسطين". (3)
1- الحرة - عبد الرحيم التوراني
2- سعيد بنيس لاتحتاج لتزكية أي من الصهاينة ولا الأمريكان لتأكيد الشرعية الدولية .
3- وليد شرارة في الاخبار 18 دجنبر 2020
محمد بن الطاهر
20 دجنبر 2020.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire