بقلم: سليمان الريسوني
قبل أشهر، سأل مذيع
في إحدى الفضائيات احمد الهايج، الرئيس الحالي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن
رأيه في قرار حكومي متعلق بحقوق الإنسان؛ وعندما أجابه الهايج بأن القرار إيجابي،
قاطعه المذيع وهو يقول: "هذا سكوب.. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تتحدث
بإيجابية عن قرار حكومي!"، فعلق الهايج بهدوء: "نحن لسنا كما يشاع عنا
من أننا نعارض من أجل المعارضة، أو نـُسوِّد وجه المغرب.. نحن نتحدث بموضوعية
نسبية حسب ما يتوفر لنا من معطيات".
لا أحد ينكر الحضور
الفارق والاستثنائي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في المشهد الاجتماعي والسياسي
المغربي؛ فهي جمعية كبيرة، حسب مؤيديها، وأكبر من جمعية، حسب منتقديها الذين
يقولون إنها تتجاوز إطار حقوق الإنسان إلى المجالات التقليدية للأحزاب والنقابات.
والحق أن كلاّ من
مؤيدي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنتقديها الموضوعيين على صواب في ما يذهبون
إليه؛ فعلى المستوى التنظيمي، تعتبر الجمعية أكبر منظمة حقوقية على مستوى العالم
العربي وأوربا! إذ يصل عدد منخرطيها إلى أزيد من 14 ألف عضو، موزعين على 100 فرع،
وهو ضعف مجموع أعضاء كل المنظمات الحقوقية العربية، وهو رقم يتجاوز عدد أعضاء
العصبة الفرنسية لحقوق الإنسان التي تعتبر أكبر منظمة حقوقية في أوربا.
الجمعية المغربية
لحقوق الإنسان هي أول منظمة حقوقية في العالم أبدعت مفهوم "جماهيرية النضال
الحقوقي"، فقبلها كانت المنظمات الحقوقية حكرا على نخبة محدودة من المحامين
الذين يضطلعون بإعداد تقارير تتسم بالعمومية في رصد واقع حقوق الإنسان في البلدان
أو الجهات التي يوجدون بها، فكانت الجمعية المغربية سباقة إلى إشراك ضحايا خروقات
حقوق الإنسان، بغض النظر عن مستواهم المعرفي في الدفاع عن حقوقهم، دون إنابة أو
توكيل.
وعلى المستوى الحركي،
خطت الجمعية، على عهد رئيسها الأسبق، عبد الرحمان بن عمرو، خطوة واسعة في اتجاه
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اتسعت أكثر مع مجيء النقابي عبد الحميد
أمين لرئاسة الجمعية في 2001، حيث ستدخل الجمعية طرفا في كبرى المعارك العمالية،
من منطلق أنها جمعية شاملة وأن النقابات محض إطارات حقوقية متخصصة في حقوق العمال.
كما لعبت الجمعية دورا محوريا في تحريك تنسيقيات محاربة الغلاء وطنيا. أما على
المستوى السياسي، فقد أصّلت الجمعية، حقوقيا، وبذكاء لافت، لثلاثة شعارات/ مفاهيم،
سياسية، هي: الإمبريالية، والعلمانية، والدستور الديمقراطي.
هذا الحضور والتراكم،
الكمي والنوعي، الجاد، جعل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان محط احترام وتقدير كل
المنظمات الحقوقية المغربية والمغاربية والدولية؛ فالجمعية تترأس، في شخص رئيستها
السابقة خديجة رياضي، الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان الذي يضم 23 منظمة
حقوقية، منها القريبة من العدالة والتنمية والعدل والإحسان وحزب الاستقلال؛ كما
تترأس الجمعيةُ التنسيقيةَ المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان (24 منظمة حقوقية من
المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا وفرنسا)، وتعتبر المرجع الأول لأغلب
المنظمات الحقوقية العالمية، وفي طليعتها هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
هذه المصداقية وهذا
الاحترام اللذان تتمتع بهما الجمعية لدى كل المنظمات الحقوقية، وطنيا وإقليميا
ودوليا، لا نجد أي أثر لهما في علاقتها بالدولة المغربية التي لم تكتف
بـ"سحل" نشطاء الجمعية في الشوارع، بل تجاوزت ذلك إلى اتهام جمعيتهم في
ذمتها المالية والوطنية، دون تقديم بيانات ودلائل على ذلك أو تقديم مسؤولي الجمعية
إلى القضاء، هذا من الناحية المالية؛ أما من ناحية المواقف الوطنية، فلم تعمل
الجهات التي تتهم الجمعية بمحاباة الانفصاليين إلا على إلقاء كلام عمومي وفضفاض،
مع أن موقف الجمعية من قضية الصحراء يبقى معقولا ومقبولا، حيث تطالب الجمعية أطراف
النزاع باللجوء إلى "الحل الديمقراطي والفوري للنزاع، والتصدي لكافة
الانتهاكات الناتجة عن النزاع مهما كان مصدرها". هذا الموقف الذي
"تـُخوّن" عليه الجمعية من طرف بعض المسؤولين وأذنابهم، تُعاتَب عليه،
أيضا، من طرف دعاة "حق تقرير المصير" وطنيا ودوليا، وفي مقدمتهم مسؤولون
داخل منظمة العفو الدولية الذين يطالبون الجمعية بالتزام الموقف الحقوقي الأممي في
هذا الصراع، أي القول بـ"تقرير المصير".
الجمعية المغربية لحقوق
الإنسان التي هاجمت ادريس البصري وهو في السلطة، وعادت تدافع عنه عندما سُحِب منه
جواز السفر؛ الجمعية التي تنادي بالعلمانية وتؤازر المعتقلين السلفيين؛ الجمعية
التي تنتقد انتهاكات الدولة في مجال حقوق الإنسان، وتعقد معها اتفاقيات للنهوض
بهذه الثقافة... جمعية كهذه من العادي أن تثير قلق مسؤولين لا يتصورون مغربا يضُم
إطارا يفكر ويقرر ويتحرك خارج الإطار المحدد سلفا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire