أحمد فؤاد نجم بنى جنته كما شاء ، صاغها قصيدة قصيدة واستدرج أناساً كثراً لهذه الجنّة كمستمعين حالمين ، كعشّاق أبديين ، كأرواح شاردة . يبحثون عن شيء آخر غير يقيناتهم ، يبحثون عن ذواتهم في ذوات أخرى.
عاش السجن والمنفى وكانت القصيدة تحميه وتعطيه قوة الألم الحلم والصمود.
قصيدة أحمد فؤاد نجم مخلصة لتلك الحريّة المفقودة تحت سلطات لا تحصى سياسية ودينية واخلاقية ولكنها قادته ليتجاوز هذه السلطات التي لم يعترف بها وللرغبة الجارفة في لذة خلق شيء آخر غير اليقينيات.
جاء الى بيروت وسكن معنا في أرض الغبطة الكاملة في ليال يوسعها الخوف من قذيفة عشوائية وكان لديه سبب يحمله على ذرف القصائد والاغنيات لشهداء كانوا معه ومع الشيخ امام في حفلات قلب المدينة المشتعل.
كان نشيج قصيدته المنبثق من آلام الناس هو الذي أنشأ رباطاً من الحب ، ولقد سعى هذا الحب بلقائي الأول بأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام في الجزائر ولاحقاً في بيروت وتونس ولمّا تزل ذاكرتي معطرّة بطلائع القصائد والاغنيات الذي عبق بنا في كل المطارح والامكنة توسعها الاغاني المضفورة بالطرب وآه لهذا الطرب الذي ما زال مقامه نديّاً . وكم جلسنا سويّة في منزلي بالمصيطبة في ليال مشتعلة بالغناء والحنين وبأحاديث مكسوّة بالامل ، والحرب تدور في الخارج بلا هوادة وقلوبنا تترنّح ، تبحث عن مخرج يؤدي الى الخلاص.
ما أكثر ما أحببت أيها الشاعر وانت تئّن وتحّن على دمعة في القصيدة وخارج ذلك كان هناك وقت للمزاح وللحب لتؤنس ليلنا وتستطيب الغواية.
كنت وحشاً في الفلاة . طليقاً كشهقة روح في جسد تعذبه الوحشة.
أعرف أن الوحشيّة في كل مكان تترنّح في سيل الايام الصاخبة وأنت في دوّار شمسها حاجاً وحيداً من درب إلى درب لتختفي في ظل قصيدتك ببحر هذا الصمت الصباحي.
ذهبت لتبحث عن نجمة الحريّة الضائعة في السماوات البعيدة وان عالمنا فقد بفقدانها فرصته الوحيدة.
مارسيل خليفه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire