المؤتمر الخامس للكنفدرالية الديموقراطية للشغل .
السياق و القرارات .
بقلم : محمد الصلحيوي
هل
حقق مؤتمر الكنفدرالية الديموقراطية للشغل أهدافه ، أم فشل في ذلك ؟
يطرح
هذا السؤال بإلحاح ، نتيجة السيل الكبير من الإنتقادات الموجهة للمؤتمر ، والتي أخذت
في الكثير من الأحيان منحى بوليميكي لاذع ، لم يترك للمؤتمرات و المؤتمرين أية إيجابية
و لو كانت معنوية . و الأطروحة الجامعة لكل المؤتمرين و المنتقدات – عدا ما نذر – هي
التالية :
عودة
الكاتب العام و بتواطؤ من طرف الحزب الإشتراكي
الموحد ، قتل للديموقراطية .
و
تتفرع عنها تفصيلات كثيرة من قبيل تسلط الحزب المهيمن،و الفساد التنظيمي ، و التشييج
، والكولسة بين الأحزاب خارج المؤتمر ...
و
المثير للإنتباه في كل ذلك شيئان :
-
تركيز المؤتمر وتلخيصه في نقطة واحدة هي الكتابة العامة .
-
التركيز على الحزبي الإشتراكي الموحد نقدا
و تجريحا ، بل ، و تسفيها لمناضلاته و مناضليه. فهل هذا صحيح ؟
تجدر
الإشارة بداية ، إلى أن كل انتقادات المنتقدات و المنتقدين ، و مهما كانت ، مشروعة
و واجبة ، مادامت الكدش ملك لجميع المغاربة المنتمين لقطب العمل ،و المواجهين لإستغلال
و جشع الرأسمال – إلا أن اعتماد المشهد العام للمؤتمر من طرف المنتقدين و المسفهين
و المختزلين ، وفي غالبيتهم من خارج الكدش ، ورطهم بصدق قول أو بالحق الذي أريد به
باطل ، في المكان المكشوف و المفضوح المعادي للكدش ، كتنظيم و دور في التغيير الديموقراطي
، و ما مسألة الكاتب العام و موقف الحزب الإشتراكي الموحد إلا عناوين للتغطية . و لذلك
فهم يستحقون أيضا نقدا مضادا و جذريا . و نطرح السؤال التالي : ما المطلوب منا ، باعتبارنا
تيارا نقابيا للحزب الإشتراكي الموحد ؟
هل
المطلوب منا أن نكون عبارة عن" كومندو " تخليصي للمؤتمر و للكدش مما يعتبرونه
حزبا مهيمنا ، و يرفعون لنا شارة النصر حين عودتنا إلى قواعدنا سالمين غانمين ؟
و
هل المطلوب منا أن نكون عبارة عن " ميليشيا " حزبية نملأ المؤتمر صخبا و
ضجيجا و مواجهة لكل مناوئ ، ونصدر بيان الإدانات و الإنسحاب ، ونستقبل بالتصفيق و قولة
" برافو عليكم " لقد حاربتم الهيمنة و الإقصاء . ونكون في الحالتين قد أدينا
مهمة صيغت في مكان ما ، و في زمن ما ، مفادها ، لا مؤتمر نقابي أو حزبي يمر في المغرب
بسلاسة ، بل لابد من المواجهة و الصدام و الجراح ، حتى تترسخ أكثر فكرة أن الديموقراطية
كثقافة عصية على المغاربة ، والأحسن أن تترك لغيرهم يدبرها لهم ، و الأكثر استحسانا
أن تكون النقابة المناضلة و الأحزاب اليسارية طيعة ومطواعة حتى تؤمن مؤتمراتها مجريات
و نتائج .
مرة
أخرى هل كان علينا أن نؤدي هذا الدور ؟
بالقطع
لا ، لأننا تيار نقابي لحزب يساري مناضل ، منخرط في نقابة جماهيرية ،
و
مادام الأمر كذلك ، كان تنسيق الرأي بين مؤتمرات و مؤتمري التيار مسألة طبيعية وحيوية
، وتبلورت وسطنا التقديرات التالية :
التقدير الأول : أن المركزية الكدشية مناضلة منذ
تأسيسها من أجل تحرير الأرض و الإنسان ، و قد كرست و رسخت هذا الخط الكفاحي في تجربتها
بين المؤتمرين الرابع و الخامس ، لذلك كان تقديرنا إيجابي للتقرير الأدبي ، مع التأكيد
على كل عوامل النقص و القصور و الأخطاء التي كانت كبيرة في محطات معينة كالتعامل مع
حركة 20 فبراير ، الجماعات المحلية ، ورزازات ، و لعل شرط إيواء المؤتمرات و المؤتمرين
كان يمكن أن يكون مشكلا حقيقيا ، و اكتفينا بطرحه بعد توضيحات المكتب التنفيذي بصدده
.
التقدير
الثاني : الكدش نقابة جماهيرية ، و يتكرس ذلك
مع الإغناء المستمر لتجربتها و انخراط كل تنظيمات اليسار المغربي و حساسياته بغرض صياغة أفق شراكة حقيقية في الحياة
النقابية الداخلية ، فكرا و تنظيما ، و الترسيخ الجماعي لمعادلة " لا نقابة للحزب
و لا حزب للنقابة " و هي الضمانة الوحيدة لدمقرطة النقابة الداخلية .
التقدير
الثالث : إن نضالية و كفاحية المركزية النقابية ، و بتعددية كل أطراف اليسار ، يفرضان
انحيازا أكثر تقدما للأفق السياسي اليساري المنخرط ميدانيا في حركة 20 فبراير ، بكل
شعاراته السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية .
إن
التقديرات الثلاثة أعلاه ، فرضت أفق ثلاث أهداف محددة لهذا المؤتمرالخامس ، المنعقد
بشعار " التعبئة الشاملة من أجل الإصلاح
الحقيقي " و في قلبه الديموقراطية هي الحل .
الهدف
الأول ، أدبي : و يتعلق الأمر بالتبني الرسمي من أعلى هيئة تقريرية للكدش للملكية البرلمانية
، و هذا ما تم فعلا في البيان العام ، وبقاء الأصوات الشعبوية القائلة بأن السقف السياسي
لا يمكن أن يتبناه التنظيم النقابي ، لأن الشعب هو محدد السقف، و كأن الشعب المغربي
المنتج للثروة جزيرة ، و مركزية النقابية جزيرة
أخرى هامشية ، إضافة لدورها في ايطار حركة 20 فبراير . إضافة لوضوح النقابة في مسألة
انحيازها و نضالها من أجل اقتصاد منتج و ناجع ، في محاربتها للفساد و الريع الإقتصادي
. لتكتمل البوصلة النقابية بالعدالة الإجتماعية المبنية على التوزيع العادل للمعرفة
و الثروة على جميع أبناء الشعب .
الهدف
الثاني ، تنظيمي : و يتعلق بالترسيم القانوني لانتخاب أجهزة المنظمة مباشرة ، بعد سنوات
من الجدال و السجال حول آلية " لجنة الترشيحات " ، و قد باشرت المركزية انتخاب
المجلس الوطني في الإتحادات المحلية . بصرف النظر عن سلبيات التطبيق الهامشية هنا و
هناك ، مثال عدم استدعاء للجموع العامة لإنتخاب المؤتمرين ، أو تعيين عضو المجلس الوطني
بدون أي نقاش لوثائق المؤتمر . إضافة لهذا التطور على مستوى دمقرطة الإنتخاب ، هناك
خطوة التميز الإيجابي للنوع ، إذ تم تمكين كل المسؤولات النقابيات من صفة مؤتمرة .
الهدف الثالث ، أدائي : إن الكدش رافعة أساسية من
روافع النضال الديموقراطي من أجل التغيير و قد كرست دورها هذا عبر تجربتها العينية
نضاليا ، لذلك ، فالرفع من وتيرة هذا الدور ، مهمة غاية في الاهمية ، اجتماعيا و سياسيا
، خصوصا مع دروس حركة 20 فبراير ، والتي هي نقطة تحول فارقة في نضال الشعب المغربي
، وليست نقطة تراكم كمي ، إذ هي استمرار بمنطق التحول ، و ليست استمرار بمنطق التراكم
، إن الوضع الذي أوجدته حركة 20 فبراير ، والذي تفاعلت معه الكدش في مسيرتها الوطنية
يوم 27 ماي 2011 بشعار الكرامة أولا، يفرض عليها الآن لعب دور حاسم في توحيد القوى
اليسارية ،و أمامنا على الأقل تجربتين رائدتين
: تجربة نقابة" تضامن " البولونية ، وتجربة اتحاد العام للشغل التونسية ،
وإن هذا التأكيد يتعزز بوجود تحالف يساري داخل الكدش ، تحالف اليسار الديموقراطي .
للمركزية إذن مهمة دعمه حتى يحقق رؤيته تنظيما و سياسيا ، وهذه مصلحة أساسية للشغيلة
المغربية التي اختارت الإرتباط بقوى التحرر بديلا عن" النقابة الخبزية
" .
تلكم
كانت العناصر المكثفة لأفقنا – مؤتمرات و مؤتمرو تيار الحزب الإشتراكي الموحد – داخل
المؤتمر ، وكل الإنتقادات الموجهة إلينا مست المسائل التالية :
- التنسيق السياسي : حاول الكثير من المنتقدين
و الغاضبين حتى ...اتخاذ منصة التنسيق المفترض و المتخيل لقصف المؤتمر و معه الحزب
الإشتراكي الموحد ، بكون الأخير قد " كولس " مع المؤتمر الوطني الإتحادي
، وتمت مصادرة حقوق المؤتمر و المؤتمرين ، وقدمت المسألة بطريقة بوليميكية فجة ، و
هنا أقول و بسمو أخلاقي ، و بتجرد نضالي أنه لم يحدث أي شكل من التنسيق السياسي بين
الفصائل اليسارية على الإطلاق ، بل ، يمكن لي القول أن قيادة الحزب الإشتراكي الموحد
أكدت مسؤولية المؤتمرات و المؤتمرين الحصرية في إدارة مواقفهم حسب مجريات المؤتمر ،
و هذا ما جرى فعلا ، إذ تم التعبير خلال مناقشة التقرير الأدبي على مواقف التيار النقابي
للحزب بكل وضوح ، بتأكيد كفاحية و نضالية المركزية في تجربتها ، مع الوقوف على عوامل
الضعف و القصور .
- مسألة التجييش و المسألة النسائية : إحدى نقاط القصف المجاني
للمؤتمر ، من طرف المنتقدين ، حضور النوع داخل المؤتمر ، إذ اعتبروا تمكينة كل المسؤولات
النقابيات من صفة مؤتمرة تجييشا ، والغريب أن بعضهم يجاهر بدعمه للمناصفة و المساواة
، بل أكثر من ذلك يزايد على الاحزاب و الحركات النسائية بكونها مقصرات في النضال من
أجل القضية النسائية . وحين تخطو الكدش خطوة جريئة بالوصول إلى نسبة 46 % من هيئة المؤتمر
من النوع ، مقابل 54 % من الرجال ، ويبلغ بعضهم كل بقوله في محافل أخرى ، و يعتبر ذلك
تجييشا . هنا أقولها صريحة واضحة ، إني لا أقرأ النيات ، بل ، أعتمد الممارسات مقياسا
للحكم ، ألم نناضل - و لا زلنا - ضد محاكمة الضمائر ، والتي أدى بعض المنتقدين ثمنها
من حريتهم الشخصية ، لذلك ، أعتبر الجانب الجوهري في الخطوة الكدشية ، و التعلق بالدفع
أماما بالتمييز الإجابي للنوع و رفعه بسقف أعلى ، والحاصل أن الإجراء التنظيمي قارب
المناصفة ، وهي آلية مجتمعية لتمكين النساء من ولوج مراكز القرار ، والنقابة إحدى مؤسسات
المجتمع العامل ، وبالتالي معنية بتلك الآلية ، والمطروح فعلا هو كالتالي :
- العمل تأطيريا داخل المركزية من أجل تأسيس توازن
حقيقي بين المناضلات و المناضلين .
-
أن تكون سرعة النقابات أعلى من سرعة المجتمع الذكوري المعقد .
-
أن تعكس مراكز القرار الكدشي نسبة 46% .
-
الدفع في اتجاه عقد نوع من المصالحة مع التنمية بتبوإ المناضلة النقابية قيادة التفاوض
النقابي داخل المؤسسة و القطاع .
-
جعل المناصفة في قلب الدينامية النقابية لتجاوز شرط النزول القانوني إلى دينامية الوعي
النسائي .
ذلك
هو المهم في خطوة الكدش ، و قد عبرنا على هذا بوضوح ، و تجاوزنا كتيار للحزب الإشتراكي
الموحد ، الجانب السلبي المفترض إلى الجانب الكيف المستقبلي .
- مسألة الكتابة العامة : كما تمت الإشارة سابقا.
لخص المنتقدون و المعلقون المؤتمر الخامس للكدش في نقطة واحدة هي انتخاب الكاتب العام
. هنا ضرورة التوضيح التالي : دخلنا المؤتمر كتيار نقابي للحزب الإشتراكي الموحد و
نحن على معرفة تامة بموازين القوى التنظيمية داخله ، حجمنا الوازن و الحقيقي لم يحولنا
إلى أغلبية ، لذلك لم يكن وسطنا مرشح لمنصب الكاتب العام ، فتح نقاش بيننا ، فكان الرأي
أن المسألة لا تتعلق بالترشيح من أجل الترشيح ، لأن المؤتمر معروف عدديا و اصطفافيا
، و لسنا أمام انتخابات جماعية أو برلمانية يكون الهدف منها الدعاية و نشر فكر الحزب
، إضافة للتأكيد منذ بداية الأشغال على أن المؤتمر سيد نفسه ، و هنا قررنا التعامل
مع ما سيقرر داخل المؤتمر .
فتح
فعلا باب الترشيح لمنصب الكاتب العام ، ولم يتقدم أي مؤتمر أو مؤتمرة للترشح ، هنا
قدم مسير الجلسة باسم لجنة التسيير الأخ عبد القادر الزاير ترشيح الأخ محمد نوبير الأموي
بصفته مؤتمرا ، بدليل قوله " في الحقيقة نحن مازلنا في حاجة إلى السي محمد
" و لم يطرح تجديد الثقة في الكاتب العام السابق ، و أخضع المقترح للتصويت ، فأين
المأخذ ؟
فهل
كان علينا أن نفرض على الآخرين الترشح و لا مرشح لنا ؟ هنا نتحول لمسخرة تنظيمية و
إعلامية . و هل كان علينا أن نفرض على الأخوين علال بلعربي و عبد القادر الزاير مثلا
الترشح و اختيار تيارهم شيء آخر ؟ و هنا نكون في تناقض صريح مع مبدئنا في استقلال النقابة
عن الحزب . بعض المنتقدين غير المتمرسين على آليات اشتغال المؤتمرات ، طرحوا فكرة عدم
اعتراض الرفيق عبد اللطيف قلش عضو لجنة الرئاسة دليلا على ما سموه تواطؤ الحزب الإشتراكي
الموحد مع المؤتمر الوطني الإتحادي ، وهنا توضيحان :
- مهمة لجنة الرئاسة هي الإشراف على تسيير أشغال
المؤتمر وفق المسطرة التي أقرها المؤتمر ، وليس من حق الرفيق قلش خرقها .
-
الطعن في ترشيح مقدم في غياب ترشيحات أخرى ، يعني إدخال المؤتمر في متاهات أخرى ، إضافة
لكون هذا الطعن لا أساس له قانونيا و تنظيميا و حتى أدبيا ، و مناضلات و مناضلو الأشتراكي
الموحد يعون تماما موقعهم داخل هذه النقابة المناضلة ، و دورها الريادي في النضال الديموقراطي
بكل استحقاقاته النقابية و الحزبية و السياسية ، داخل قاعة المؤتمر و خارجها .
- في الخلاصة العامة : ان هناك الثقافة النقابية
و الأداة التنظيمية و إن شرط تقدم الثانية نحو المأسسة و العقلانية مرتبط بهيمنة البعد
الثقافة النقابية الحداثية ، هذه هي وضعية الكدش حاليا ، دورنا إذن هو الدفع لحصول
تناسب أكثر تقدما بين البعدين ، وهذا ما تعكسه المقررات التنظيمية الصادرة عن المؤتمر
، الإنتخاب المباشر و الأوراش ، أما المنتقدون فلهم " فضيلة " انتقاداتهم
حقدا أو حبا أو تعاطفا مع الكدش ، و لنا فضيلة نجاح مؤتمرنا بكل نقائصه المقبولة و
غير المقبولة ولكل نازلة نوازل ، و لكل حادث
حديث .
محمد صلحيوي
مؤتمر عضو اللجنة الاداري
للنقابة الوطنية للتعليم
كدش
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire