ماتت الأحزاب السياسية بالمغرب (وشبعت موتا) منذ مدة
ليست بالقصيرة (ستينات القرن الماضي)، ومنها من ولد ميتا، وبمشيئته (أحزاب الفديك*
مثلا بقيادة رضى كديرة أو ما يسمى فيما بعد بالأحزاب الإدارية). والحقيقة المرة،
أن الأحزاب المغربية (بالمعنى البسيط أو التقليدي) ماتت مع كتلة العمل الوطني لسنة
1934، وهي المؤامرة السابقة عن مؤامرتي "إيكس-ليبان" و"المكنسة/إيكوفيون"،
التي أشرت على أو باركت جريمة قتل/اغتيال المقاومة المسلحة في آخر معاركها ببوغافر
بعد معارك أخرى أبرزها معارك محمد بن عبد الكريم الخطابي. ورغم محاولات الإنعاش
القسرية (زرع الروح في هياكل عظمية نتنة) التي قام بها النظام في منتصف السبعينات
من القرن الماضي من خلال شعاري "الوحدة الوطنية" و"المسلسل
الديمقراطي" وتحت ضغط الانقلابين العسكريين لسنتي 1971 و1972 وتأثير النضالات
والتطورات التي عرفتها المرحلة حينذاك محليا وخارجيا، فإن الموت كان حتميا. وقد
تأكد ذلك بالمكشوف، وحتى لمن خالجته الشكوك أو من ركب قوارب المزايدات السياسوية، في
تسعينات القرن الماضي مع مسرحية/مهزلة "التناوب التوافقي" (أحزاب الفديك
الجديدة التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، الزعيم الاتحادي، سليل "الحركة
الوطنية" و"رفيق" الشهيد المهدي بنبركة والفقيه محمد البصري وعبد
الرحيم بوعبيد...). أما الأحزاب السياسية المتحدث عنها اليوم (المعارضة/الأغلبية)،
فليست غير أطياف أو أشباح، ينفخ فيها النظام متى شاء وكيفما شاء (العدالة
والتنمية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الاستقلال، التقدم والاشتراكية،
الأصالة والمعاصرة...)..
وعموما، فإن من اختار طريق "الشرعية" (وإن
بحسن نية ومن أي موقع سياسي، وهو ما لا يعني شيئا)، فلن يكون مصيره غير مصير
"أحزابنا" الميتة. فللشرعية شروطها (ثمنها)، وأهم هذه الشروط (قانون
الأحزاب) أن "تحيا" (إن شاءت) طيفا أو شبحا لا غير.. فلا الشعارات ولا
الدموع (الاحتماء وراء القمع والإقصاء والتهميش...) تبرر هذا الخيار السياسي الخياني
والانبطاحي (الشرعية) الذي يكرس معاناة شعب عظيم قدم الكثير من التضحيات وصنع
العديد من البطولات، منذ المعاهدة الخيانية "الحماية" لسنة 1912 وقبلها
الى اليوم، زمن الردة وبهلوانات العهد "الجديد" (بنكيران ولشكر
وشباط...) ..
إن النظام القائم قد توفق بالفعل في مسخ الأحزاب
السياسية الشرعية بواسطة الترهيب (القمع بكل أصنافه من اغتيال واعتقال وتضييق...)
والترغيب (الوعود والامتيازات والمصالح الطبقية...)، وجعل منها أطيافا وأشباحا. لقد
قطع عنها طريق المزايدة/المساومة وفرض عليها الأمر الواقع، أي شروط اللعبة وبما
يضمن استمراريته، بل وتوهجه بالداخل والخارج (الحديث الآن عن
"الاستثناء" المغربي، وقبل ذلك عن تجربة "العدالة الانتقالية
المتميزة"...). وأخطر ما توفق فيه النظام هو عزل الأحزاب السياسية (الشرعية)
المحسوبة على اليسار عن الجماهير الشعبية المضطهدة، وخاصة الطبقة العاملة، ذات
المصلحة الحقيقية في التغيير، وجعل منها جنرالات بدون جيوش.. وبتعبير آخر، جعل
منها "سباعا" بدون أنياب، مستغلا انتهازيتها ولاديمقراطيتها
(بيروقراطيتها)، بل استبدادها، وهو نفسه "الاستبداد" الذي تندد به في
شعاراتها وبياناتها...
وقد ساهم ما يسمى ب"المجتمع المدني" في هذا
المسخ/التمييع، وخاصة بعض الأسماء/"الرموز" المحترفة للسمسرة (ومنها
أسماء مدعمة من طرف "اليسار" ومحسوبة عليه) وبعض الإطارات الجمعوية
الصورية (المقبولة من طرف "اليسار"، مثال بعض منظمات/جمعيات الائتلاف
المغربي لهيئات حقوق الإنسان...) التي احتكرت المشهد المدني إعلاميا (الإذاعة
والتلفزة بالخصوص). فلا يمكن أن تمر مناسبة دون تقديمها (صورة أو صوتا) أو على
الأقل الإشارة إليها أو تسويق مواقفها الموالية للنظام وأطروحاته. وبكل وضوح، وكمثال
فاضح، ما معنى قبول (التوافق على) استمرار عضوية المنتدى المغربي من أجل الحقيقة
والإنصاف في المجلس الوطني لحقوق الإنسان إبان مؤتمره الأخير (المؤتمر الرابع)؟!! أليس ذلك تزكية مجانية
للنظام وأدواته وأجهزته؟!! إن المنتدى وما يرمز إليه من تاريخ مشرف وما يكشفه
من جرائم دموية للنظام، يفرض أن يكون في مقدمة الإطارات المناضلة التي تقود شعبنا
نحو تحرره وانعتاقه...
وكل ما يمكن أن يقال عن الأحزاب السياسية وما يسمى
بالمجتمع المدني، ينطبق حرفيا على النقابات. وذلك لسبب بسيط، هو وقوف الأحزاب
السياسية وراء ميلاد/تأسيس النقابات (المركزيات) كوكالات تابعة لهذه الأحزاب. فمن
الاتحاد المغربي للشغل (1955) والاتحاد العام للشغالين بالمغرب (1961) الى
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل (1978) والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (1996،
الميلاد الجديد بعد التأسيس سنة 1973) والفيدرالية الديمقراطية للشغل (2003)...
والخطير الآن، هو تزكية أو السكوت عما يجري داخل هذه
النقابات، من اختلاسات وفساد و"استبداد"، بأي مبرر كان.. فليس سهلا
تغيير موازين القوى داخل هذه النقابات بين عشية وضحاها. لكن، لا معنى للتعايش مع
الإجرام في حق شعبنا.. لقد آن الأوان لفضح الإجرام وإعلان القطيعة مع الإجرام، كان
سياسيا أو نقابيا أو جمعويا.. خاصة والاحتداد الكبير للصراع الطبقي في ظل
المتغيرات الأخيرة في المنطقة العربية والمغاربية، ومنها حركة 20 فبراير بالمغرب
بكل تراكماتها وتضحياتها...
وما البديل للأحزاب والنقابات الميتة؟
إن أي بديل سياسي يحترم نفسه لا يمكن أن يقبل بالشرعية،
أي "القانونية"..
إن أي بديل يحترم نفسه (حزبا أو نقابة أو جمعية) لا يمكن
أن يزكي المتورطين في جرائم الماضي، السياسية أو النقابية، أشخاص أو هيئات؛
إن أي بديل يحترم نفسه (حزبا أو نقابة أو جمعية) لا يمكن
أن ينأى عن التموقع في خضم مجريات الصراع الطبقي وعن التعبير عن الموقف المناسب في
الوقت المناسب؛
إن أي بديل يحترم نفسه (حزبا أو نقابة أو جمعية) لا يمكن
أن يزكي "الاستبداد" أو أن يتواطأ معه، أي قبول الزعامة مدى الحياة
(حالة المحجوب بن الصديق سابقا بالاتحاد المغربي للشغل ومحمد نوبير الأموي الآن
بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل)؛ فما المانع من الإعلان عن توجه ديمقراطي داخل
الكنفدرالية على غرار ما حصل بالاتحاد؟ أم هو إقرار بفشل هذا الأخير؟ إن
البيروقراطية واحدة، سواء داخل الاتحاد أو داخل الكنفدرالية أو داخل أي إطار نقابي
آخر...
إن أي بديل يحترم نفسه (حزبا أو نقابة أو جمعية) لا يمكن
إلا أن يندد، صراحة وعلنا، بما حصل داخل مؤتمر الكنفدرالية الديمقراطية للشغل من
تكريس للتوجه الانهزامي الخادم للبيروقراطية الموالية للنظام والبعيد كل البعد عن
خدمة مصالح الطبقة العاملة؛
إن أي بديل يحترم نفسه (حزبا أو نقابة أو جمعية) لا يمكن
إلا أن ينخرط في كافة معارك الشعب المغربي، وفي مقدمتها معارك الطبقة العاملة؛
إن أي بديل يحترم نفسه (حزبا أو نقابة أو جمعية) لا يمكن
إلا أن يعمل على توحيد معارك الشعب المغربي، وفي مقدمتها معارك الطبقة العاملة،
بدل الطعن فيها أو تشتيتها؛
إن أي بديل يحترم نفسه (حزبا أو نقابة أو جمعية) لا يمكن
إلا أن يتبنى قضية الاعتقال السياسي، كقضية طبقية، وان يدافع عنها...
* الفديك: جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، تأسست
في مارس/آذار 1963.
موحى اوقزيز
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire