حبيب معلوف
المجتمع المدني العربي في بروكسل
الاتحاد الأوروبي يتراجع في الاقتصاد الذي منحه الأولوية
تعبّر إحدى اللوحات المعلّقة في مدخل البرلمان الأوروبي في بروكسل عن حالة اوروبا والعالم تماماً. تظهر اللوحة ان السمكة الكبيرة تأكل الصغيرة، بينما تتنازع السمكات الصغيرات في ما بينها. الا ان ما لا تقوله اللوحة، مَن هي السمكة الكبيرة هذه الأيام؟ لقد بات معلوماً ومؤكداً ان الدول النامية هي السمكات الصغيرات، ولكن ما لم يعد أكيداً ان الاتحاد الاوروبي يمكن ان يشكل سمكة كبيرة في هذا العالم مع الازمات التي يعيشها على كل الاصعدة. يمكن لعلماء البيئة ان يفسروا نزاع السمكات الصغيرات باللعب أو بصراع البقاء، الا ان علماء الاقتصاد لا ينظرون الى النزاعات الصغيرة الا كمقدمة لتصبح السمكة الصغيرة أكبر وأكبر. واذ تراجع دور الاتحاد الاوروبي في العالم بالرغم من محاولة توحيد دوله الـ28، اخذت في الفترة الاخيرة دول الـ« بريك » (التي تضم الصين والبرازيل وروسيا والهند) مكان الكثير من المساحات التي تراجع عنها. فمنذ العام 2010 تضاعفت استثمارات هذه الدول في بلدان الاتحاد الاوروبي نفسها وكانت الصين هي مَن قدمت مساعداتها الاقتصادية لبعض الدول الاوروبية المتضررة من الازمة المالية عبر شراء الديون العامة، كما حصل في كل من اليونان واسبانيا. وكان ثلث واردات الاتحاد الاوروبي من دول « البريك ». اما لناحية صادرات الاتحاد الى دول الجنوب فهي ايضاً بدأت بالتراجع بشكل كبير، مما أفقد دول الاتحاد اسواقاً كثيرة. واذ طالما ركزت اتفاقيات ومشاريع الشراكة الاوروبية المتوسطية على الموضوع الاقتصادي مهملة باقي الجوانب الاجتماعية والثقافية، كانت الحصيلة خسارة في الجانب الاقتصادي اسوة بباقي الجوانب. هذا الجانب، شكل السؤال الأول لوفد المجتمع المدني العربي الذي زار طوال الأسبوع الماضي مسؤولين ونواباً عديدين في المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، هذه الزيارة التي أعدتها « شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية »، الا ان التعبير الابرز والاصدق عن الحالة الاوروبية جواباً على مشاكل التجارة والبيئة والهجرة والسياسة والاقتصاد والأمن مع المنطقة العربية التي طرحها الوفد جاء من النائبة الخضراء في البرلمان بربارة لوخبخلر عندما أكدت ان « الاتحاد الأوروبي مشروع يقوده الاقتصاد ». وبالرغم من تأكيدها الاهتمام ودعم المجتمع المدني وان هناك مواقف وخططاً جديدة للتعامل معه ومع قضايا المنطقة، لم تدخل في تفاصيل هذه المشاكل وتجنبت الإجابة على الكثير من القضايا المطروحة. انها المرة الثالثة التي تنظم فيها الشبكة العربية لقاء مع بعض المسؤولين في الاتحاد الاوروبي في بروكسل، كما يقول المدير التنفيذي للشبكة زياد عبد الصمد. في المرة الأولى كان لا بد من التعلم والتعرف على المواضيع وآليات الحوار والمشاريع والبرامج، في المرة الثانية طرح المجتمع المدني هواجسه ولقي الكثير من التقبل والترحيب، في المرة الثالثة انتظر المجتمع المدني العربي استجابة وتغييراً ما في السياسات والاتفاقيات التي تطغى عليها المصالح التجارية والتي لا تحمي حقوق الانسان والعامل العربي... الا ان التغيير لم يحصل. ولا يزال المجتمع المدني العربي يتوقع أن يلعب الاتحاد الأوربي دوراً واضحاً وفعالاً في تعزيز التناسق في السياسات في إطار العلاقات الأوروبية والعربية وضمان اعتماد سياسات تخدم الديموقراطية، والسلام والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى تحقيق تطلعات الشعوب في المنطقة العربية.
يرى سيمون ستوكر من « اورو ستيب » ان النموذج الاوروبي الاجتماعي كان مرجعاً ولكن اوروبا الآن في ازمة. واصفاً اياه بـ« النموذج الليبرالي المعدل ». معتبرا ايضا ان الازمة المالية اثرت على استراتيجية الاتحاد الاوروبي العام 2020، لاسيما مع ارتفاع معدلات الفقر وانعدام المساواة واعطاء الاولوية للاشخاص وليس للنموذج الليبرالي. انطلاقاً من هذه الازمة، توقع صعود احزاب تشكك بوحدة اوروبا في الانتخابات المقبلة. وهذا ما يتخوّف منه المجتمع المدني الاوروبي ايضا . بناء على كل ذلك، هناك مخاوف من عدم تحقيق الاستدامة البيئية. فمع فرض الحكومات إجراءات للتقشف وزيادة استثمارات الشركات لن تكون الاستدامة البيئية ممكنة. في هذه الأثناء تحتل مفاوضات المناخ في اوروبا العناوين الكبرى مع تأكيد ان الإجراءات لحماية المناخ التي سوف تترك آثاراً كبيرة على الاقتصاد إذا ما تمّ الالتزام فعلا بتخفيض الانبعاثات. اما حول قاعدة الموارد الطبيعية المحدودة أصلاً، فسيتم التعامل معها بحذر شديد وهي التي ستحدد العلاقة مع الدول العربية، أكثر من اي شيء آخر. وفي استراتيجية العام 2020، لا يزال الاتحاد الأوروبي يراهن على العلاقة مع المنطقة العربية كمصدر للطاقة وهو قلق من التطورات الأخيرة.
النائبة الخضراء
كان الاجتماع مع النائبة الخضراء في البرلمان الأوروبي بربارة لوخبخلر مميزاً اذ أحيط بها اثناء الاجتماع أكثر من عشرة مستشارين ومساعدين. وبالرغم من تأكيدها في هذا الاجتماع « أن الاتحاد الأوروبي مشروع يقوده الاقتصاد »، للتخفيف من التوقعات حول مستقبل الشراكة وكيفية مقاربة القضايا البيئية المشتركة، وبالرغم من تأكيدها الاهتمام ودعم المجتمع المدني بما يقارب 10 ملايين يورو وأن هناك مواقف وخططاً جديدة للتعامل مع المجتمع المدني العربي ومع قضايا المنطقة... لم تدخل في تفاصيل هذه المشاكل وتجنبت الإجابة على قضايا مطروحة كثيرة مثل انعكاسات وآثار تحرير التجارة مع دول المنطقة العربية وكيفية ضبط المواد المعدلة جينياً. كما لم تتوسع في الرد على هواجس الوفد حول الشروط والمعايير البيئية التي يتم اعتبارها بمثابة حواجز جمركية أمام المنتجات المصدرة الى اوروبا بعد تحرير التجارة... ولا حول موضوع « الاقتصاد الأخضر » الذي تبناه الاتحاد الاوروبي والذي لا يغير شيئاً بقواعد اقتصاد السوق المشكو منه... ولا بقضية تغيّر المناخ التي تسببت بها الدول الصناعية وبينها الاتحاد الاوروبي وكيفية التعويض على البلدان المتضررة مع تغيير النموذج التنموي المعتمد.
مقاربة جديدة للهجرة
تناولت اللقاءات ايضاً مسألة الهجرة من الناحية السلبية التغيير الداخلي للسكان في المناطق الاوروبية ومشاكل البريطانيين مع اوروبا الشرقية وهم يساهمون اكثر مما يأخذون من الاقتصاد. كما تم تناول مأساة لامبيدوزا التي ذهب ضحيتها مئات المهاجرين. كما تم التطرق الى النوع الجديد من الهجرة البيئية او الهجرة بسبب عوامل المناخ التي ستتسبب بها ظاهرة تغير المناخ والتي لا ترعاها اية اتفاقيات دولية حتى الآن، مع العلم ان الاتحاد الاوروبي كأي من الدول الصناعية المتقدمة يتحمل مسؤولية تراكم الانبعاثات التي ادت الى هذه الظاهرة، وعليه ان يساهم في تحمل مسوؤلية معالجتها.
كما تم التطرق الى القوانين الأوروبية التي توصد الأبواب أمام المهاجرين وتحول دون خروجهم من شرنقة العالم « غير المشروع » إلى عالم القوانين والحقوق وإبقاؤهم على حالهم، أي عدم تشريع وجودهم على الأراضي الأوروبية، هو قرار رسمي... وذلك ما يعرض المهاجر الفقير للاستغلال في سوق العمل أو في معسكرات الانتظار او لتجار وسماسرة التهريب.
كما تم التطرق الى عدم احترام الحريات وبينها حرية التنقل. ومسؤولية بعض الاحزاب والنخب السياسية الغربية في بث الروح المعادية للمهاجرين والاجانب (الغرباء) والضغط على المشرعين للتهرب من تحمل مسؤولية فتح الحدود وتشريع الإقامات. كما طرحت قضية تهرب الكثير من السفن من مساعدة المهاجرين غير الشرعيين من الغرق، وذلك كي لا يتم التحقيق معها لاحقاً، مما يقلل من فرص الانقاذ. كما تمت الاشارة الى بعض المصادر التي تؤكد ان هناك اهمالاً مقصوداً من بعض الدول لعمليات الإنقاذ كي لا يدخل هؤلاء الحدود. والى عدم وجود أي اتفاق على مستوى الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط.
وقد طرح الوفد توفير المزيد من السبل القانونية لتنظيم الهجرة والتوقف عن تركيز النقاش فقط على زيادة قدرات البحث والإنقاذ ومحاولة منع الهجرة غير النظامية... والتوقف عن معالجة أعراض المشكلة، بدلاً من معالجة أسبابها الجذرية. والدعوة الى اعادة النظر ببرامج المساعدات وطرق ومفاهيم التنمية المتبعة في البلدان النامية. واعتماد سياسات مختلفة لتقديم الدعم للمشاريع المشتركة، نحو ان يتم دعم مشاريع لامركزية انتاج الطاقة لاسيما في المناطق الريفية والفقيرة، ومركزية قطاع النقل كدعم النقل العام بدل تشجيع استخدام السيارات الخاصة. ودعم صغار الحرفيين والمزارعين وتسويق انتاجهم لتأمين فرص عمل جديدة في المناطق الفقيرة التي يهجرونها قسراً.
ثورات ام انتكاسات؟
اعترف توماس غريت من المفوضية الاوروبية ان الثورات العربية غيرت كثيراً في نظرة الاتحاد الاوروبي... اذ طالما تم غض الطرف عن الحكومات الديكتاتورية طويلاً بحجة الحفاظ على الاستقرار. كما اعتبر ان الديموقراطية لا تتحقق من دون مسار اقتصادي. وان التغيير الابرز كان في السلوك وتوسيع الشراكة مع المجتمع المدني. واكد انه تم اعتماد آليات جديدة للتعامل مع المجتمع المدني. وان الاتحاد الاوروبي يقوم بمراجعة شاملة لبرامجه ويمنح المجتمع المدني مساحة واسعة للمشاركة في الحوار وفي صياغة السياسات وستكون الطريق تفاعلية اكثر مع اعتماد نهج تشاركي افضل. مع الاشارة إلى ان في ذلك سيتم تحميل المجتمع المدني نوعاً من المسؤولية ايضاً.
كما تحدث صلاح الدين جورجي من تونس عن ثلاثة مكاسب للثورات العربية (لاسيما في تونس وليبيا ومصر واليمن). 1- ارتفاع سقف الحريات وزيادة في عمل الجمعيات وعددها، 2- زيادة الحراك المدني وفك عقدة السياسة وكسر حاجز الخوف. 3- تنظيم انتخابات. اما حول المخاطر والصعوبات، فإن هذه الثورات لم تفرز نخبها السياسية. كما هناك مشكلة في تدخل القوى الدولية التي تفرض شروطها. كما أشار الى التناقضات كمشكلة تدخل دول الخليج التي تدعم الثورات والتي تخاف انتقال هذه الثورات اليها في الوقت نفسه. كما هناك مشكلة الامن وصعود المجموعات المسلحة التي لديها اجندات تخرج عن الأهداف الوطنية وتطالب بخلافة إسلامية لم تعد ممكنة التحقق في العصر الحالي، لاسيما أن هناك تعاوناً إقليمياً بين هذه المجموعات. كما تم التخوف من كثرة السلاح لاسيما في ليبيا التي باتت تحوي 25 مليون قطعة سلاح. ويخلص جورجي الى القول انه بالرغم من المخاطر دخلت المنطقة مرحلة جديدة لا يمكن العودة الى ما قبلها. وأن لكل بلد خصوصية ومن السابق لأوانه إصدار احكام وهي لا تزال ذات نفق مفتوح.
طغيان السياسي والأمني
كما لاحظ الوفد انه في دول الثورات لا يزال العمل السياسي والأمني طاغياً ويتم على حساب المراجعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ولا تزال الدول تعتمد النماذج التنموية نفسها ما قبل الثورات، مع العلم أن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية كانت من أبرز دوافع الثورات !
كما تناول الجدل طبيعة ما حدث، هل هو ثورات او انتكاسات. وقد اعتبر البعض ان في ذلك جدلاً عقيماً طالما نحن لا نزال في خضم الاحداث. بالرغم من دخول المنطقة مرحلة جديدة الا انها لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات وبينها الانتكاسات والتدخلات الاجنبية والاقليمية والدولية. هي مرحلة شديدة الصعوبة والتعقيد. تبقى تونس رهاناً أساسياً لإنجاز انتقال ديموقراطي كمؤشر لكل دول المنطقة والدول الاخرى. كما قيل ان سوريا ومصيرها هي التي تحدد مسار المنطقة وما يحصل فيها سيؤثر على كل المنطقة. مع الاشارة ايضاً الى ان المناخ الدولي غير ملائم لتحقيق ما تطمح اليه الشعوب.
ملخص مطالب المجتمع المدني
. يُنظر الى الاتحاد الأوروبي على انه غير داعم لقدرة الدولة على تنظيم اقتصادها الوطني، وبالتالي لا يعكس خيار الشعوب لنموذج اقتصادي معدّل.
. أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات التجارة الحرة مع دول جنوب المتوسط، وبالرغم من ذلك يمكن أن يلاحظ بوضوح الميل للانخفاض في المؤشرات الاقتصادية، والتي تتضح في ازدياد معدلات الفقر واتساع التفاوت الطبقي بين الناس والانخفاض الحاد في حصة القطاع الصناعي من الانتاج. ويشير ذلك إلى فشل النماذج المعتمدة كافة في المنطقة في اطلاق العملية التنموية وخلق فرص العمل.
يطالب المجتمع المدني قبل البدء في المفاوضات، بإجراء تقييم أثر لاتفاقيات التجارة الحرة العميقة والشاملة على تنمية المنطقة من خلال مقاربة حقوقية، وعلى قدرة الدولة على تنظيم اقتصادها الوطني. والقيام بتطوير آلية واضحة وفعالة لضمان الشفافية والإفصاح عن المعلومات خلال المراحل المختلفة من المفاوضات. وتجنب إدراج الخدمات الأساسية في المفاوضات حول المزيد من تحرير التجارة في الخدمات، والتأكد من أن نتائج المفاوضات لن تؤثر سلباً على التزام الدول في تقديم الخدمات العامة للجميع، فضلاً عن قدرة الحكومات على تنظيم هذه القطاعات من أجل توفير وظائف لائقة والمساهمة في دعم القطاعات الإنتاجية الأخرى.
. ضمان الأمن كشرط أساسي لتقدم عملية التنمية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
. المساهمة في إنهاء العنف وتعزيز التوصل لحل سياسي للصراع في المنطقة. وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين، بما فيها الطعام والماء والمأوى فضلاً عن الرعاية الصحية والتعليم.
. كما طالبت الشبكة باعتماد مقاربة أشمل لقدرات منظمات المجتمع المدني المحلية كجهات فاعلة في صنع السياسات العامة، بدلاً من الجهات التي تقدم الخدمات.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire