بكر
أبو بكر
في
زيارة لضريح الشهيد ياسر عرفات في مربضه الأخير في مقر
(المقاطعة) رام الله، قرأ كل من أبومحمود القيادي في حركة
فتح وعدد من شبيبة الحركة الفاتحة على روحة الطاهرة ، ثم
خرجوا للإعداد لاحتفالية الذكرى التاسعة في مساء ذات اليوم أي في 11/11/2013 .
وفي مقر الحركة في أمانة
سر اللجنة المركزية بمدينة البيرة دخل ياسر الى مكتب أبو محمود وفي وجهه
علامات التساؤل والرغبة في الحديث ، ما أدركه مسؤوله فطلب منه الجلوس، فما
زال في الوقت متسع للحديث، لا سيما وان ترتيبات احتفالية الشهيد الرمز القائد
أبو عمار قد اكتملت.
على فنجانين من القهوة عادة الفلسطينيين
والعرب دار الحديث بين ياسر الطالب في جامعة بيت لحم وأبو محمود القيادي
بالحركة ، وابتدأ الحديث الأخ أبو محمود قائلا
: أرى في محياك كتلة من الأسئلة الممزوجة بالإندهاش والرغبة في الفهم.
قال
ياسر : نعم صحيح . أنا مندهش.
أبو
محمود : لنزيل الاندهاش، هات ما عندك.
ياسر
: أنت كتبت بالأمس تقول أن أبو عمار رحمه الله قائد مستفِز ، ولم
يعجبني هذا الكلام.
أبو محمود : هل قرأت المقال.
ياسر : لا ، ولكن ذكر لي ذلك صديقي رائد.
يقوم
أبو محمود بالانتقال وراء الحاسوب على طاولته، ويخرج
المقالمن الطابعة المتصلة به، من أحد المواقع التي تنشر لأبي
محمود،ويطبعه ويسحبه ثم يبدأ بقراءة المقال القصير، حيث وردت في
المقال المشار له العبارة التالية (إنه يستفز فينا الاأجمل والأجلّ)
فقرأهالياسر، ونظر في عينيه مبتسما.
ياسر الذي أنصت بشغف لأبي محمود، وفهم المعنى من
النظرة والكلام، ردّ قائلا : لم أفهم الا السلبي من حديث رائد
فاعذرنيلذلك.
أبو محمود : لا بأس في ذلك ، فللكلمات معاني تفهم دوما في السياق وهي ليست
مجردة.
ياسر : وهذه فرصة أريد استثمارها
لكي أسألك عما كتبته سابقا عن أبي عمار في أنه يمتلك النظرة
الثاقبة وهو ما جعلني في حيرة فكيف تربط بين كونه مستفِزا ويمتلك النظرة الثاقبة؟!
ابتسم
أبو محمود وقال : لا تناقض، ولنبدأ
بالجملة التي كانت مثار الجدل والدهشة لديك ، إن ياسر عرفات (يستفز
الأجمل والأجلّفينا) ، لذا فهو قائد مستفِز ما اتفق فيه مع استنتاج صديقك
رائد،ولكن استفزازه في المنحى الايجابي إذ أنه يحث ويدعم ويدعمويعبئ ويحرّض على العمل والعطاء والتفكير الايجابي
وعلى الابداع والتغيير، فهذا هو الأجمل وهذا هو
أبوعمار، أما الأجلُّ فهي فلسطين مثار الاستفزاز بصيغته
الابداعية، ومجال العمل والتضحية والفداء.
ياسر
: فهمت، وهذا تفسير جميل وربط لطيف، فما هي مفاتيح
نظرته الثاقبة إذن؟
ارتشف
أبو محمود قليلا من القهوة العربية، وسرح نحو البعيد في
صورة معلقة للراحل الخالد أبوعمار في مكتبه وفي غالب مكاتب الفلسطينيين والثوار في
العالم.
وبعد أن استأذن
قام بالرد على مكالمة على جواله ، ثم عاد لمكتبهوتناول ملفا سلمه
الى ياسر متضمنا قائمة بعشرات الكتب عن ياسر عرفات قائلا أنها
حال رغب بالاستزادة حول الراحل، ثم عاد لمقعده ورفع رأسه ليبدأ
الحديث.
قال
أبو محمود : أن ياسر عرفات يمتلك 7 مفاتيح تشكل مداخل نظرته الواسعة أو
الثاقبة ولنبدأ بها مفتاحا مفتاحا.
قال ياسر : هي 7 فقط ؟
أبومحمود: لا، هي كثير، ولكن دعني أركز على 7 منها، ولنا جولات اخرى
قال ياسر: كلي آذان صاغية
أبو
محمود : المفتاح الأول دون أن تأخذ معيار الأهمية بالترتيب،هو قدرة
الرمز أبوعمار على إدراك منابع الثقل ومنابع القوة سياسيا
وإنسانيا.
ياسر : سياسيا... قد فهمناها، ولكن كيف ذلك انسانيا؟
أبو
محمود : استطاع ياسر عرفات أن يجند العالم
لقضيته أيفلسطين، ليس استنادا فقط لعدالة القضية فكريا
وقانونيا، وليس فقط لعمقها الديني والتاريخي، وإنما لفهمه لمعنى
السياسة إذ تتحكم المصالح فيها. إن نسج العلاقات
السياسية الممزوجة بالبعد الانساني في الدوائر الثلاث أي الوطنية والعربية
والعالمية كان من مميزاته.
ياسر : وكيف نسج ذلك؟
أبو
محمود : دعني أعطِك أمثلة، فلقد تحسّس أبو عمار أن هواري بومدين من
قادة الثورة الجزائرية سيكون له شأن كبير ، ورغب ببناء علاقة مع الرئيس جمال
عبد الناصر ، وكذلك مع الملك فيصل، ولكل منهم فكره وعوامل التأثير فيه
ولكل أسلوبه في الحكم، ولكنهم جميعا كانوا في بلدانهم (ثِقلا) و (منابع
قوة) وتأثير فجهد أن يلتقي بهمويرتبط ، وهذا ما كان، فوطّد علاقاته
السياسية بالصداقة معهم في في تجربة عميقة من المزج.
وفي
ذلك كان للقائد الفلسطيني الراحل خالد الحسن تأثير هام
وكبير، إذ جعل من هذه الآلية أي الربط بين القضية الفلسطينية و فكر وفلسفة
الأشخاص الخاصة بحيث يحملونها وفق رؤاهم فلا يتخلون عنها، لذا بدا للكثيرين تعجب
واندهاش حتى اليوم من قدرة أبوعمار على مصادقة المتضادين.
ياسر : وهل كان ذلك مرتبط فقط بالعرب .
أبو محمود : لا ، أبدا ، بل وعالميا، فمن الأمثلة الهامة أنه احتضن(بي
نظير بوتو) ابنة على بوتو رئيس الوزراء الباكستاني الذي أعدم، فدعم
دراستها ما انعكس لاحقا على فلسطين ايجابيا عندما تولت رئاسة الوزراء ، وكان له
مع (سونيا غاندي) زوجة رئيس الوزراء الهندي (راجيف
غاندي) حوارا هاما في تونس بعد اغتيال زوجها اذ كادت تزهد بالحكم فأصر
عليها الاستمرار بعمق علاقاته مع هذه العائلة انسانيا وسياسيا
منذ أيام (اندير غاندي).
ياسر : شيء لطيف حقا.
أبو محمود : نعم وفي هذا المفتاح لنا الكثير من الأمثلة ولكن دعني انتقل
للثاني.
رن جرس الهاتف فرد عليه أبو محمود فإذ بابنته ليان تطلب
الاستعانة بكتابة موضوع عن ياسر عرفات في مدرستها، فوجهها لكتب كل
من بسام أبو شريف وأحمد عبد الرحمان ، و ألن هارت،لتقرأ قبل
أن تكتب ، ثم أغلق الهاتف وعاد للحديث.
أبو محمود : إن المحور الثاني هو أن أبو عمار قد جعل من فلسطين عامل
جمع للأمة وليس أداة تفريق واليك ما قاله هواري بومدين صاحب المقولة الشهيرة (أنا
مع فلسطين ظالمة او مظلومة) وذلك في أحد المؤتمرات العربية، إذ كانت عدد
من الدول تكاد تمتنع عن التصويت لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي و وحيد
للفلسطينيين.
ياسر : هذا تم عام 1974 على ما أعتقد .
أبو محمود : نعم ، وفي ذلك المؤتمر قام الرئيس هواري بومدين ليقول(ان
فلسطين كعبتكم حيث يجب ان تجتمعوا عليها ، وهي أيضا أصبع التفجير في
وجهكم ان اختلفتم بشأنها ) ما حفز الدول العربية
للتصويت إيجابا.
ياسر : والمفتاح الثالث.
أبو محمود : أراك استعجلت.
ياسر : لا أبدا ، انما وصلتني الفكرة حيث كان التنظيمات القومية
العربية تردد دوما أن فلسطين القضية المركزية للأمة العربية ماأصبح ما يشبه
القانون أو المبدأ.
أبو محمود : نعم ، أما المفتاح الثالث فهو قدرته على بناء العلاقات
وقيادتها أو حسن إدارتها ولك أن تنظر لأي حوار بل
حواراتخاضها أبو عمار مع القيادات اللبنانية فترة الوجود في لبنان في الأعوام
(1971 – 1983) لترى قدرته على بناء العلاقات
وحسنإدارته لها.
ياسر : ولكنها كانت فترة حرب وقتل وتدخلات تسجّل كفشل لا حسنإدارة.
أبو محمود : لا أبدأ ، فالاحتراب الذي حصل كان مترابطا مع المفتاح الرابع
الذي كنت سأصل بك اليه وهو امتناع ياسر عرفاتوالثورة الفلسطينية وحركة فتح عن
الانخراط بالمحاور العربية والإقليمية والعالمية، بمعنى رفضه
الاحتواء وتلقي تعليمات الآخرينوتوقه الدائم للاستقلالية، فدُفع دفعا
ليتخذ موقفة الصريح في تلك الفترة وفي عديد المواقف والأزمات مع
المصلحة أو ما رآها المصلحةالفلسطينية .
ياسر : نعم ، ولنعد لتبيان كيف أنه فنان في القيادة وإدارة العلاقات.
أبو محمود : صدقت فهو (فن) والفن له طابع إنساني يسقط من الشخصيته
على الفعل أو الموقف ، ويؤثر في السياسة، وعليه أقولأن إدارته
أو قيادته للعلاقات وإدارته للآخرين سواء المتفقين أو المختلفين معه وعلى رأٍسهم
د.جورج حبش، أو لاحقا الشيخ أحمد ياسين أو مع تيارات حركة فتح استندت لمبادئ
ثلاثة هامة الأول احترامه لآراء الجميع المتفقين أو المختلفين، وتجاوزه عن
غضب الغاضبين وشتائم الرداحين، أما الثانية فكان فنانا بإعطاء الأدوار فلم
يبخل أبدا بإعطاء مساحات رأي وعمل ومشاركة للجميع ما دام يمسك بالخيوط في يديه
مصداقا ربما لمقولة هارون الرشيد (امطري حيث شئت يأتني خراجك)
ياسر : لكن البعض يرى بامساك بالخيوط استبدادا!
أبو محمود : لخصوصية ياسر عرفات وثقله وجاذبية شخصيتهالطاغية والآسرة، لم
يكن أحد في الثورة الفلسطينية ينظر للموضوع بهذا الشكل إلا حين الإختلاف
معه، وسرعان ما تتغير النبرة والنغمة للتغزل بقيادته، بعد أن
يكون قد أعطي الموقف مداه، وهنا النقطة الثالثة في حسن ادارته إذ
انه لم يكن ليتخذ القرار استبدادابل كان يستنفذ كل آليات اتخاذه له، حتى وإن
استخدم تكتيكات ومناورات برع بها ليكون قراره هو المنفّذ ، ما
هو مباح في علم السياسة.
ياسر : إذن هو يحترم أولا ويعطي
الأدوار ثانيا ويستنفذ آليات اتخاذ القرار ثالثا في
مفتاح فن وحسن إدارة العلاقات والقيادة ، فكيف ذلك أيضا والانشقاق على
فتح عام 1983 ثم تشكل جبهة الصمود والتصدي من فصائل المعارضة
الفلسطينية ضد (م.ت.ف)بقيادة أبوعمار ، ثم في اقصاء حماس بعد (أوسلو) عام 1993
أبو محمود : هل أطلب شايا.
ياسر : لتكن زعترا.
أبو محمود يطلب كوبين من الزعتر إثر خروجه من المكتب
تلتحق بهما ميادة مديرة مكتبه طالبة الإذن بالاستماع، لا سيما وأنها
سمعت معظم الحوار من الغرفة المجاورة فأمتعها الحديث،فأذن
لها، وجلست ، بعد ان عدل الطلب الى 3 أكواب من الزعتر.
أبو محمود : لا شك أن الثورة افلسطينية ولدت من رحم الأزمة والمأساة
والصراع العالمي حيث تعجب (ماو تسي تونغ) كما تعجب (تشي غيفارا) عندما التقت
القيادة الفلسطينية مع الأول في بكين، ومع الثاني في الجزائر للتعلم من ثورتيهما،
تعجب القائدان ماو وغيفارا من امكانية استمرار ثورة في هذه المنطقة من العالم
وهما رمزا الثوار في العالم آنذاك وربما حتى اليوم، وتمنيا نجاحها ليتعلما منها.
ولدت الثورة الفلسطينية في محيط متأزم حيث منابع النفط في الشرق
الأوسط قرب فلسطين قوة العالم الأولى، وحيث طرق التجارة العالمية وإنشاء
دولة (إسرائيل) كعامل تفتيت في جسد الأمة ، وكان صراع الجبارين
روسيا وأمريكا ، والمصالح الدولية في الهيمنة والاستبداد مع ترابط ذلك
بسياسات عربية مناهضة للكيانية الفلسطينية والاستقلالية
الوطنية والنضال كلها وغيرها شكلت عواملإرباك وتصعيد وإعاقة
لمسار الثورة ما تم التعبير عنه في الأمثلة التي ذكرتها أنت يا ياسر ، والتي
كان مآلها جميعا كالتالي : عاد معظم المنشقين لحركة فتح بموافقة أبو عمار الانسان
، واستوعبت التنظيمات الفلسطينية المخالفة له مفهوم
المرحلة السياسية بعد اتفاقيات (عدن–الجزائر عام 1984)، بل
وبعد دخولها أرض الوطن مع أبي عمار.
ياسر: نعم صحيح، صدقت
ومع رشفات مشروب الزعتر الفلسطيني المنعش الذي وصلهم يكملون الحوار
أبومحمود بعد رشفة من مشروب الزعتر: وأنت
تعلم يا ياسر، وربما عايشت تذبذب "حماس" من
رفض الانتخابات وتكفير المشاركة فيها عام 1996 الى القبول والتنظير لها كمرة واحدة
وحيدة عام 2006 أي بعد وفاته ، و الخلاصة بما أن الامور بخواتيمها فأمثلتك
الثلاثة كانت خاتمتها دلالة على ما قلته أنا من حسن ادارة العلاقات وحسن
ادارة الاختلافات للراحل ياسر عرفات.
ميادة : إذن كان أبو عمار حسب المثل العربي (لا يقطع شعرة معاوية) مع
أحد، كما كان لا يعدم الوسيلة.
أبو
محمود : صدقتِ يا ميادة، ومن لا يعدم الوسيلة كما
قلتِ، فهو يفكر بعقلية البدائل والخيارات، وهذا هو المفتاح
الخامس للنظرة الثاقبة لياسر عرفات، لذلك انطلقت الثورة مع تيار
المجانين الذيمثله أبوعمار عام 1965 رافضا فكر من أطلق عليهم اسم
(العقلانيين) وهم في الحقيقة المترددين من قيادة حركة فتح، الذينأرادوا
الإنتظار دون بديل مؤثر ، ولذلك قام هو بالعمل المسلح حيث وجب ،
وحينما أصبحت التربة مهيئة في فلسطين كانت الانتفاضة عام 1987 ، كما استعاض
عن فشل الأمريكان بالضغط عليه ليتنازل عن القدس بأن أراهم (العين الحمراء) من خلال
الانتفاضة الثانية عام 2000 ما كان فيها حياته ثمنا، لكنه
اعتبرذلك خيار لرجل آمن بفلسطين والقدس والجماهير الذين كانوا جزءا لا
يتجزأ من فكره وشخصيته وحياته.
ياسر : قبل أن تسترسل دعني أقول أن أبو عمار كان رجل ميدان حسب
اعتقادي وقراءتي ورؤيتي لأشرطته المرئية، أكثر منه رجل فكر فهل أنا محق
بذلك.
أبو محمود : نعم أنت محق، فهو سياسي محنك ولاعب في الدهاليز،وناشط في
الميدان، وقلب أسد حين الخطر ، ونسمة باردة حين ترتاح القضية، فيؤخذ
قرار مساند للثورة أو فلسطين ما ظهر في ارتياحه في الأمم المتحدة حين
ألقى غصن زيتونة في وجه الحضور عام 1973 ، وفي الجزائر عندما
طارت الحمامات مع اعلان الاستقلال عام
1988 ، وفي مربض الليث الذي كانَه (وهو على فكرة من برج
الليث) في رام الله عام 2003 لما أصر أنه (على القدس رايحين
شهداء بالملايين) وحينما لم يمل ترداد (يريدونني أسيرا أو طريدا أو
قتيلا وأنا أقول شهيدا شهيدا شهيدا)، نعم إنه رجل الميدان والتحدي والنار
المشتعلة والصمود وهذا المفتاح السادس لشخصيته.
ميادة : دعني أذكركما بما قاله د.جورج حبش عنه إذ قال (أننا
نختلف مع أبوعمار ولا نختلف عليه) في إشارة لطيفة لحسن اللقاء والاتصال والحوار
بينهما رغم كثير أزمات ، وبقي لنا مفتاح واحد ،أليس كذلك؟
ياسر نعم ، ولا يعني أن نمسك بهذا المفتاح انتهاء الحديث
في شخصية ودورب ومواقف الخالد فينا ياسر عرفات.
أبو محمود : نعم لا يعني ذلك أبدا ، إذ أننا كما بدأنا
نتحدث عن أبو عمار المستفِز ، وعن النظرة الواسعة أوالثاقبة له
، حيث في الحديثفي أبي عمار سالت أحبارٌ كثيرة وكتبت
أسفارٌ كبيرة ، دونهاالتاريخ ولم ينسه أبدا، بدليل أننا إن لم
نتذكره يوميا، فهو يعود ليقفز خارج ذاكرتنا في ذكرى رحيله بعشق.
أشار أبو محمود الى صورة جميلة للزعيم الخالد أبو عمار وهو يصلي في مكتبه
، ولأخرى وهو يقرأ القرآن ، ولغيرها وهو يستشهد بآيات من الذكر الحكيم ، وعرض
عليهما مجموعة من الصور لملابسه وأدوات أكله فقالت ميادة : فهمت
، أنت تريد الاشارة للمفتاح السابع وهو تواضعه.
قال ياسر : أم تشير الى زهده؟
قال أبو محمود : أشير
للمعنيين، فهو زاهد ومتواضع وكل ذلك لأن أحد أبرز مفاتيح نظرته الثاقبة
وشخصيته مرتبط بالجملة التالية (الايمان الراسخ، والبذل). لقد كان أبو عمار تقيا
زاهدا مؤمنا بالله سبحانه وتعالي، وبأن حربنا ضد الأعداء الى
يوم الدين، وأن شهيدنا بسبعين شهيد ، وكان زهده لدرجة التصوف ما كان من ميزات
جمعته مع الشيخ عز الدين القسام، وهما الاثنين من وهبا نفسيهما
للجهاد وفلسطين وصنعا تنظيمهما الخاص وكانا في حياتهما زاهدين.
قال ياسر : أما إنه مؤمن فايمانه مقرون بالبذل أي
بالعطاء والعمل كما أفهم، ففي سيرته في صمود بيروت
وتجربة "أوسلو" ، وفي بناء السلطة
الفلسطينية والانتفاضة، وحصاره اللاهب في المقاطعة تعب شديد
واحتراق داخلي لينير للناس حياتهم .
أبو محمود : ها أنت تتحول الى شاعر .
فضحكت ميادة وياسر، ونظر أبو محمود لساعته إذ بعد ساعة سيحين
موعد الاحتفال، فقال واقفا: دعوني اختم المفاتيح السبعة بدليل على
ايمانه بالله وبفلسطين والقدس ونفسه، فعندما احتدم النقاش حول القدس في كامب
ديفد الثانية قال الرئيس الامريكي (بيل كلنتون) لأبي
عمار أنا كمسيحي أؤمن أن الهيكل في القدس فلماذا تعاند ؟
قال أبو عمار إن السُمرة قالوا لي أن الهيكل في
نابلس، وهو ليس بالقدس أبدا، فهي لنا وحدنا، ثم أضاف بل هو
باليمن، فتعجب كلنتون..... وأستطرد أبومحمود بالقول: وما كان أبوعمار فيما
قالهإلا صادقا؟
نظر كل من ياسر وميادة بوجه بعضهما البعض يعتريهما
العجبوالاندهاش من التصريح الأخير لأبي عمارعن القدس، ومن تعليق أبو محمود، وقال ياسر لميادة
أثناء خروجهما: بدأت الحوار مع الأخ أبومحمود بالاندهاش واختُتم حديثنا باندهاش
آخر.
خرجا مع أبي محمود وكادر المكتب الى
ساحة المنارة في وسط رام الله للاحتفال بذكرى استشهاد الراحل الكبير
منطلقين باتجاه ضريحه المؤقت حتى يدفن في القدس مسقط رأسه.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire