ونحن على طريق الحياة؛ تأبى الحياة وتعصى بقدر ما تعطي، وفي خضم التحوّلات نتوهُ بحيواتنا عن أحلامٍ وطموحات؛ في عجقةِ هذه الرؤى.. يخلعُ المقبلُ آنذاك ثوباً تلو ثوبْ؛ ليثبَ في بطون وأمّهاتِ الكتب نهلاً وامتلاء، ليكونَ الآتيَّ في أزمنةِ الإصطراع والإحتراب وخشونةِ الأيام وقسوتها- لتلك الأيام؛ التي حملت له أكثرَ من وجهةٍ وروح في ميادين العمل؛ صلبَها قبالة شاطئ صور لتنداحَ إتياناً وبياناً على طريق الحياة في مجلةِ ."الطريق" ثمانينيات القرن المنصرم
لهذه الهامةِ العالية والقامةِ الشامخة، لهذا الذي تعلّمَ على يديهِ أنْ يفخر تجلياً وعطاء؛ فأفردَ للورودِ أوردة الإبداع، لهذا.. أن نفتخرَ بعاشقٍ مبدعٍ أبدعَ سنديانته الحمراء لنتظلّلَ أفيائها، تلك- الممتلئة النضال والنصال والكفاح، تلك- المعصورة المجبولة بجبلاّت الدِّماءِ على مدى عمرها المعقود بتسع عقودٍ أينعتْ ولمّا تزلْ رغم خطوبٍ وخطوبْ، كأنّما محمد وحزبه شيخان يافعان حملا عقودَهما تضحياتٍ وتضحيات؛ تتجسَّدُ مسيرة الوطن ولا انتهاءْ.
بهذا الصخبِ المطبوع بإبداعات أديبٍ تهادى وتمادى.. تناهى وتسامى تواضعاً وترّفعاً.. تناثرَ واجتمعَ.. شحذ أسنانَ الوقتِ على توقيتِ حسِّهِ وانتمائهِ لحزبهِ- حزب الكادحين والفقراء والفلاحين والعمال والمثقفين. بهذا الإرتجاز والإرتكاز؛ كان ينحرُ الوقتَ ليحبِّره ملاءاتِ الوجود، وفي الإباءِ شموخِ الأرض والسنديان، فما كاد أن يحلَّ ميلادُ الحزبِ التاسع والثمانين حتى وافاهُ إبنُ السنديانةِ الحمراء إنغراساً بسنديانتهِ؛ ليُكملا ويتكاملا معاً ميلاداً متجدِّدَ متجذر الجذور والفروع والأغصان.. لنشمخَ شموخهما باستمرار الوجود والحياة.
بكلِّ هذا العناق ذهبَ "محمد دكروب" في سنديانةِ حزبه؛ ذهبنا بانتباهةِ الأيام تناهُباً لها كي يكونَ ألميلادُ التسعونَ المُرتقب.. لقاءَنا المتجدّدَ المتجذرَ على الدوام، وإنْ أخضبْنا التمنّي بواقعِ ما لا نتمنّى.. (لتجزيكَ عنايةٌ ما قدّرتْ رحيلَكَ بأعوامكَ المضرّجةِ الممتلئةِ المكلّلةِ المفعمةِ بنكهةِ برائحةِ المكافح المجاهدِ المناضل المفكر والأديب).. قدّرتْ رحيلاً مثالياً بجموع السنديانةِ ومجاميعها- بجموع الحزبِ مجدِّدين على طريق الحياة تجذراً محمَّلَ المعاني والمُثـُل والفخار والديمومة.
هناك؛ أيُّها الرفيقُ والصديقُ والأديب- هناك.. لأيامٍ خلتْ؛ كان الرفاقُ والأصدقاءُ والمحبُّون، المهنئون، ألمخلصون الخُلّص- كنّا حفـْراً ونقشاً إنسانياً على وقعِ تكاملٍ وتماثلٍ لميلادين؛ لذكرى وذكرى لطالما شرُفنا وفخُرْنا بها، للقاء أبٍ وصديقٍ ورفيق وأديب ملؤهُ التحنان والعطف، ديْدَنهُ شغفٌ مسبوقٌ معروشٌ بشغفِ الكتابةِ والحرص والتدقيق والتنقيبِ بعين إبرةٍ تماثلُ نسجَ الأفكار بمنوال حائكٍ بديع الصور والمعاني، فانثنينا خفراً بذواتنا عن امتلاءٍ مُدْرَكِ الفخار والشرف؛ مُدركِ الإستشراف لإبداعٍ مقيمٍ بيقين ملهمٍ مُلهَمْ.
هناك؛ على طريق الحياة في مجلة "الطريق" التي رأسَ تحريرها، عرفناه؛ قرأناهُ ونحن شتّى جهاتٍ سلختنا عنها لنهيمَ في نيران الإحتراب والإغتراب، وبعد سفرٍ محمّلٍ بأسفار إلتقينا في مجلة "النداء"..؛ قبلها لوقتٍ قليلٍ مضى، كان يُدركنا بصوتهِ الممتلئ بحبائل امرىءٍ لمّا يتعدّى ألثلاثين من سِنيْ عمره؛ على صوت الشعب راوياً سيرة حياته وكفاحه ونضاله؛ وهو ألشيخُ الجليلُ تأدُباً إنسانياً وإبداعاً فكرياً.
لكَ؛ أيُّها الإنسانُ الإنسانْ.. تنحني الهاماتُ/ لك؛ تشمخ بشموخ سنديانتك التي ذهبتَ فيها تفاعلاً وتكاملاً../ لك.. إليكَ تحملنا من عامٍ إلى عام بعُرى مبادئ وثوابت وقيّم لا ينفصمُ عنها مناضلٌ مكافحٌ مجاهدٌ مخلصٌ مدركٌ ووفي.
محمد دكروب الآتي من جنوبِ الجنوبِ إلى جنبات الإنسانيةِ فرحاً وامتلاءْ... سلامٌ عليكْ.. إهنأ في رحم سنديانتك الطافحةِ بمعانيكَ؛ تروينا جيلاً بعد جيل.
احمد وهبي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire