vendredi 11 janvier 2019

سلسلة عاشق من زمن اليسارلهشام موكادور (2/1)الساذج



عاشق من زمن اليسار
--------------------
الساذج (2/1)
-----------
الساذج ليس نقيضه الذكي. فالساذج عيبه كونه كتابا مفتوحا، ما ينبض في القلب يصل صداه الى السمع. ما يحاول إخفاءه عن الناس تفضحه لحظة دافئة معهم، فينطلق عدوه اللسان. قد يكون مرادفه "بساطة القلب، وسلامة النية" وضده المتوجس/ الحذر / المكيافيلي..


وقد كنت ذلك الساذج، الطفل الذي يفعل الأمور ويرويها كما رآها أو سمعها دون التفكير في ما يحب الناس، أو يخشونه. أمشي بينهم كطيف شمس لا فرق لديه بين الأماكن سوى إذا ما حجبه حاجز سميك. وكعزف قيثارة يحمله الصدى، لا يفرق بين سمع مُكفّر وسمع راغب، سوى من أصم أذنه عن النغم وجسده عن الرقص. كان والدي يعاني كثيرا من جنح أخي "مصطفى" الذي كان يكبرني بعامين، فقد كان شديدا في الحياة الواقعية، وأسطورتي في الحي. له صولة وجولة بين أقرانه، فهو الزعيم، والمدبر، والمفاجئ. وكنت أفتخر به، فبمجرد ما يعرفون بأن أخي "صطاف" إلا ويتحاشونني خوفا من سطوته. كانت له قدرة كبيرة على اخفاء الأمور حتى تكتمل فعلته بسلام ورغم ذلك لا يبوح بها، بل يترك للآخرين التكهن والتخمين. وإذا ما ضبط أو علم أمره، ومهما نال من ضربات السوط كان ينكر كل شيء، لم يكن أحد في البيت يدرك ما قد يقدم عليه بعد نصف ساعة. خلافي أنا، فقد كنت نقيضه، دائما كنت أنذر الآخرين بما سأقدم عليه، حتى ولو كنت متيقنا بأنني لن أفعله، المهم بأن الفكرة راودتني فيجب أن تقال. وعندما يأمرونني بفعل شيء كنت أصرخ، وارفس بقدميّ الصغيرتين الأرض، وأقسم بأغلظ الإيمان بأن لن ألبي ما يريدونه منّي، وفي آخر المطاف أفعل ما يحلو لهم وقد أزيد عليه. مصطفى كان يقول لهم "حسنا" ويعد نفسه جسديا بفعل ذلك وينطلق، لكنه لا يفعل، ومبرره "لقد نسيت".. لذلك كان والدي يطلق عليّ "الهرهوري" وـأخي "السكوتي".. "دوز من واد الهرهوري، ما دوز من الواد السكوتي".
لذلك عندما تكون لأخي غزوة مع أصدقاءه لا يأخذني معه، كم مرة تبعتهم من الخلف، كان ينهرني بالعودة إلى البيت، وقد يتوقف ويرميني بالحجارة من بعيد حتى أعود أدراجي. كنت أشكوه الى والدي ولكن عندما يسألني إلى أين ذهب أخوك "لم أكن أجبه"، أولا؛ لأنني لم أكن أعرف وجهته. وثانيا؛ لأن أخي قد يضربني، وأسوء شيء قد يفعله بي حرماني من الغنيمة.. وغنيمته كانت حبات البلوط الذي يسرقونه من الغابة المحروسة، أو حبات التوت والتفاح والبرتقال المنزوعة من شجر الأغنياء بعد تسلقهم أسوار فيلاتهم. وهذا أدركته فيما بعد، فمع شخص متكتم مثله، ستقتنع بسهولة بكونه أحضره من السوق كما كان يخبرني. ولصدق، فهذه النباهة من أخي بطبعي الساذج، هي الطريقة الوحيدة التي يحمي بها نفسه من غضبة الوالد. فلو رافقته، ومهما أوصاني بالتكتم كنت سأفضحه من غير وعي مني، سواء في تلك اللحظة أو بعد عدة أيام.
أمي كذلك كانت تتحرز من لساني، خصوصا عندما تكون مع صويحباتها. فكل نميمة لهن على إحداهن، عندما تحضر أرمي على مسامعها النعوت التي وصفوها بها، كأنني أخبرها بخبر مفرح أستحق عليه الثناء. ولتنقذ والدتي الموقف، وقبل أن أورطهن تناديني "أجي المبلوز هاك الحلوى"، أذهب عندها ويدي تسبقني لأخذ ما وعدتني به، تمسكني منها وتجذبني نحوها ثم تضعني فوق ركبتها وتطعمني الحلوى. وسبابتها وإبهامها على فخدي، كلما تذكرت شيئا وفتحت فمي بسرده، تقرصني فأصمت منزعجا. عندما فطنت بتذاكيها ذاك، كنت أقول لها " إرميها إلي".. كانت تنصحني دائما بأن لا أتدخل في عالم الكبار، وأن ليس كل شيء يقال. مع علمها بأن ذاك طبعي و"الطبع يغلب التطبع". ذات يوم كنت ألعب بجوارها، سمعتها تحكي لجارتنا "الشريفة" بأن أصعب ولادة مرت بها هي ولادتي، وأنني كنت قاسيا عليها وهي تنجبني، كأنني متمسك برحمها ولا أريد الخروج "هشام من بين خوتو هو لي عذبني في الولادة". كانت تحكي وتذكر تفاصيل ولادتي "حوالي الساعة العاشرة صباحا في الثالث من شهر ماي" كنت منتشيا حينها، ليس فيما تقول ولكن لأن أمي ذكرت إسمي دون إخوتي، في المساء عندما جاء والدي أخبرته بكل ما سمعته من أمي مفتخرا أمامه، كنت أنتظر منه أن يفيض على سمعي بما هو أكثر، ويذكر كذلك إسمي كأن يقول "أجل يا هشام، ولادتك كانت...". لكنه فعل خلاف ذلك، نادى على أمي ونهرها من العودة الى ذلك الحديث أمامي.. لم أفهم حينها لماذا فعل ذلك، وبعدما كبرت وأعدت تلك الاسطوانة عرفت بأنه يريد تنزيهي من فعل القسوة بوالدتي... 
------------

يتبع

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire