ان النقد هو الظهير الفكري للفعل المنحاز المجدي، ولا يكون الفعل مجدياً من منظور التاريخ ما لم يكن منحازاً إلى طبقة معينة رئيسية ذات دور تاريخي معين. فالنقد يهدف إلى التمايز ومزيد من التمايز بين المواقف الفكرية الاجتماعية. انه يسعى باستمرار إلى رسم الحدود الفاصلة بين المواقف الفكرية الاجتماعية حتى ضمن المعسكر ذاته. فهو لا يقبل بمبدأ التعايش والمواءمة بين النظم الفكرية وأنماط الوعي الاجتماعي، لكنه يسعى باستمرار إلى تسليط الضوء الساطع الدقيق على أوجه الاختلاف والخلاف. انه يسعى باستمرار إلى الانحياز الطبقي، إلى التمايز الطبقي، إلى رسم حدود فكرية دقيقة بين الطبقات. انه يدعو ممارسيه باستمرار إلى الحسم، واتخاذ القرار، والانحياز إلى فريق معين. فهو لا يعرف المجاملة ولا التلفيق. انه ليس معزولا عن الفعل الثوري، وانما يرتبط عضويا به بحيث يتحول الواحد إلى الاخر بصورة متواصلة. فهو يهيء ممارسه باستمرار للفعل الثوري الحاسم والمنحاز.
فالنقد الماركسي هو سلاح الثوري في فعله الثوري. انه ليس مجرد ممارسة معرفية محايدة وبريئة تهدف إلى معرفة الحقيقة، وانما هو ممارسة صراعية منحازة تهدف إلى تصفية الزور وخلق الحقيقة وجعلها واقعاً دائماً في حياة الانسان. انه لا يهدف إلى خلق المعرفة المحايدة، وانما تغيير الواقع الزائف صوب تصفية اغترابه وتجلي حقيقته. أما الميوعة الفكرية الخالية من النقد، فلا تخلق فعلا تاريخياً حاسماً ومجدياً. ان النقد التام شرط ضروري من شروط مثل هذا الفعل. لذلك فإن الفكر الماركسي لا يتعايش مع غيره ومع نفسه، وانما يتصارع بصورة متواصلة مع الاخر ومع نفسه. ان العلاقة الجوهرية التي تربطه بغيره وبنفسه هي علاقة صراع، لا علاقة تعددية بسيطة ولا علاقة وئام وتعايش. انه يحدد باستمرار النقد من أجل الفعل التاريخي الثوري. لذلك، فهو يرفض الاصلاح بوصفه استراتيجية، فلا يقبله إلى بوصفه لحظة من لحظات الثورة الاجتماعية. وهو يرفض فكرة تداخل القوى المتحالفة واندغامها معاً ويصرّ على التمايز بينها وعلى صيانة هذا التمايز وتعميقه. فشعاره الاساسي اذاً هو: التحديد والانحياز من أجل الفعل المكثف واضح الاتجاه.
دفاعاً عن الماركسية - أ.د. هشام غصيب
https://www.facebook.com/share/p/AFPaHxfEfQXCPFVs/?mibextid=oFDknk
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire