dimanche 28 mai 2017

مقاربة علم الاجتماع الثقافي النقدي لتفاعلات حراك الريف وسبل التجاوز/ بلال عياد

صورة: عالم الاجتماع  الثقافي عياد أبلال



يعتبر عالم الاجتماع الثقافي عياد أبلال في مقاربة نقدية ترتكز على التحليل النفسي والاجتماعي والتاريخي بأفق  ملامسة عقلانية لصيغة المعالجة ونزع فتيل الاحتقان : أن “حراك الريف” فرصة تاريخية للملك محمد السادس لإعلان القطيعة مع الفساد وإعادة بناء مؤسسات الدولة في سياق الوحدة الوطنية

بعيداً عن العقل الأمني للدولة المخزنية بالمغرب، يمكن اعتبار حراك الريف على المستوى السوسيولوجي فرصة تاريخية لإعلان قطيعة ابستيمولوجية مع الفساد والريع وخطاب مخزنة التنمية، وهو ما يقتضي بشكل كبير ضرورة العودة إلى تاريخ المغربي الحديث والمعاصر لاستخلاص الدروس والعبر، وعلى رأسها أن الشعب المغربي كان دوما منتصرا لسلاطين وملوك الدولة العلوية، في حين أن جل الانكسارات والخيبات بما في ذلك الانقلاب على السلاطين كان من تدبير المخزن ومساعدته، وما وقع ويقع في الريف لا ينفصل تاريخياً عن منظومة نظام زمني السيبة والسلم، بكل ما يعني ذلك من سياسة جبائية تفقيرية (نظام الضرائب والجبايات) كان وما يزال يتحكم فيها المخزن الاقتصادي والسياسي منذ منتصف القرن الثامن عشر.
ولذلك فالمخزن نفسه في لعبه على منطق التنافر/ الانقسامية، كان دوما لا ينظر إلى السلطة المركزية إلا من منطق الولاء الذي يضمن المصلحة الذاتية، وهو ما يعيه الشعب المغربي منذ العصر الموحدي. وربما نجد في خطابات الزفزافي خير ترجمة وفية له، إنه يكشف زيف المخزن وزيف خطابه (تفكيك منطق الثنائيات: الولاء/ العداء، الوحدوي/ الانفصالي، السلم/ الفتنة….الخ)
لن نخوض كثيرا في تاريخ السلطنة والمخزن في المغرب، لأنه يشكل صلب اهتمامنا في كتاب سيصدر قريباً، ولكن المقام يجعلني أرجع إلى بناء مفهوم الوحدة الوطنية التي أعقبت استقلال المغرب ودور الوطنية المغربية، والسلطان محمد الخامس، مما يعرفه الجميع، وكيف كان المخزن وفق منطق الثنائيات السالف الذكر، والذي يمكن ترجمته بشكل مبسط إما معي أو ضدي، وضدي يعني الموت جزءاً من المشكل وجزءاً من الحل لأنه أصبح بنية ثابته من ثوابت الدولة في المغرب التي لا يمكن للشعب المغربي الانتصار عليه والانتصار من ثم للدولة الوطنية المواطنة إلا بالانتصار على المخزن وهدمه نهائياً وهذا ما يتجلى في الثورة، التي كشف التاريخ القديم، الحديث والمعاصر صعوبته، بما يجعل الثورة الشعبية مغربيا مجرد إيوتوبيا في غياب أسس التنوير الذي ظل على مر العصور نخبوياً مرتبطا بالخاصة من الناس، وربما هذا ما تداركه عبد الله العروي حين انتصر في الأخير إلى ثقافة الأم، ودعى لضرورة التربية على الديموقراطية والمعرفة والعقل انطلاقا من الاسرة.
معلنا بشكل ضمني أن الثورة الحقيقية التي يمكن أن تنجح في عالمنا العربي عموما والمغربي خصوصاً هي الثورة الثقافية (ثورة القيم) ، أو من خلال منطق التوافق/ التجاوز، وهو ما أراه ممكناً في الحالة المغربية، يعني إزاحة المخزن بالتدريج من مساحات السلطة والحكم لصالح المؤسسات والدولة الوطنية. وهذا ما يقوم به حراك الريف بحرفية احتجاجية- سلمية لا شك ستكون محطة أساسية من محطات التاريخ المعاصر.
لعب الحسن الثاني بالرغم من أنه كان ضحية الانقلابات وضحية المخزن نفسه، وكثيرا ما اشتكى من خيانات المحيطين به، دوراً مهماً في التأسيس للدولة الحديثة، لكنه مثل أي رئيس دولة غير محاط بمؤسسات وشخصيات وطنية، أخطأ في انتفاضة الريف لسنة 1958، بإيعاز من أفقير الذي سرعان ما سوف ينقلب عليه، وعلى النظام الملكي كلية، وهو الذي كان يشيع ولاءه الشديد للحسن الثاني والملكية، ولم يكن الراحل الحسن الثاني يتصور أن ينقلب عليه غدراً مقربه وخليله ويده اليمنى أفقير..ناسياً أن منطق الوحدة الترابية والوطنية يقتضي الاجماع والعقد الاجتماعي قبل السياسي، لأن السياسة أساساً جاءت لتنظيم حياة الناس وفق العقد الذي ارتضوه بحرية، لكن أحداث الريف 1958 انتصر فيها المخزن بانتصاره للمقاربة الأمنية في توحيد مجالات السلطة بالبلاد، في حين كانت منطقة الريف لمدة طويلة، حسب المؤرخين ما بين 1860 إلى ما بعد حرب الريف مع الاسبان، منطقة تعيش شبه استقلال، مع اعلان الولاء الرمزي للنظام الملكي المغربي، وليس للسلطة المركزية في بعدها الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، لأن السلطة المركزية كانت سلطة مخزنية بالأساس، ولذلك وكما يؤكد العروي وميشو بيلير وآخرون، فإن محمد الخامس حين جاء إلى العرش كان محاطاً بالمخزن ولم يكن محاطا بحكومة أو مؤسسات، لذلك كان أهل الريف لا يرون في السلطة المركزية سوى السلطان/ الملك.
ولذلك بالرغم من وطنية محمد عبد الكريم الخطابي وإعلان ولائه ووفائه للملكية، مثلما فعل كل أهل الريف، فإن المخزن على عهد الراحل الحسن الثاني، (المخزن الأمني والعسكري ممثلا في أفقير، والمخزن السياسي ممثلا في رضا كديرة)كان مثلما ما يزال لا يرغب في علاقات مباشرة للشعب مع شخص الملك، وهو ما جعل النتيجة مكلفة في الاحداث الدموية للريف في 1958.
ولذلك عمل المخزن على عدم عودة عبد الكريم الخطابي من منفاه بالقاهرة. وهنا يجب الإشارة أن إثارة البعض على الثنائية العرقية أمازيغي/ عربي، لم تكن حاضرة مطلقا عند رمز الثورة والمقاومة بالريف الراحل عبد الكريم الخطابي الذي احتضنه جمال عبد الناصر أجمل وأروع احتضان. وأن الانتصار للقضايا العادلة يتجاوز كل ثنائيات عرقية ولغوية، مادام الصراع في جوهره هو صراع بين من يملك ومن لا يملك. إنه صراع طبقي في جوهره حسب ماركس. وهذا ما لا يخدم المخزن لأنه بالنهاية مجرد تحالف مصالح تخترق السنين وتتقوى مع مرور الزمن.
مرت سنوات الستينيات والسبعينات، ورحلت أجيال مِنْ مَنْ عاصرت تلك الأحداث، لكن بنيات التفكير الأنثربولوجية والثقافية تعتمل في اللاشعور مثلما تعمل شعورياً على توطيد صلة الناس بالتاريخ، خاصة إذا تعلق الأمر بالهويات الاثنية المغلقة التي تتعرض للقمع، ولذلك لم تنفع السنين في مسح الجرح من ذاكرة شتات الريف بأروبا، ولا التهميش الاقتصادي الذي عرفته المنطقة منذ تلك اللحظة التاريخية، لأن المخزن عملياً يشتغل بمنطق الانتقام ورد الفعل، فكلما كان هناك رد فعل اجتماعي بسبب رفض نظام السخرة التي يبتغيها المخزن، كلما أعلن هذا الأخير عن رد فعل سياسي ارتكاسي ناتج عن رغبته في الانتقام، وكلما حصل ذلك ، كلما تبعه بالضرورة رد فع اقتصادي يتجلى في التجويع والتفقير (نظام شبيه بالفيودالية)، ولهذا تحتفظ ذاكرة الريف بوسم العنف والقمع والتجويع والتهميش، وهو معجم يكاد يكون موحداً بين أهل الريف، خاصة لدى صفوف الشباب، ولذلك يشكل هذا المعجم، أحد تجليات بنيات المتخيل السياسي والاجتماعي لهؤلاء تجاه الملكية والسلطة المركزية، وهي رؤية لم تتغير كثيراً. إنهم كما كان أهلهم، لا يثقون سوى في الملك .
إن ارتباط الريف بنظام العرف تاريخياً وانتصاره لمنطق الشرع في سياق قبوله بنظام الدولة الوطنية، جعله ينتصر دوما لبنية الاستقامة، وهو ما يعادل موضوعياً إذا جاز لنا أن نستعير مفاهيم جيلبير دوران الأفقية، لذلك فهم في تعاملهم عفويين ولا يمتثلون كثيراً لنظام التراتبيات . إن العمودية بما تعني من رأسية في الرؤية والتواصل، فهي في بنيات الريفي القروي القابع في أعلى جبال الريف، هي العلاقة مع الله، ولذلك فأهل الريف، وبعيدا عن انزلاقات وانحرافات ناصر الزفزافي الناتجة أساساً عن طيش وحماسة خطاب الثورة، ما دام الخط الفاصل بين الحراك والثورة في حالة الريف يكاد ينمحي لصالح التماهي في الكثير من الحالات، وإن كانت ثورة تبتغي الانتصار للوطن والوحدة، أكثر من انتصارها للانفصال الذي سيظل كامنا في ذهنية عدد كبير من أهل الريف، وخاصة من الشباب، ومن مهاجري الشتات بأروبا .
إن المتعمق في بنيات التفكير والمتخيل لدى مغاربة الريف، الذين يتميزون مثل كل التكتلات البشرية والجغرافية بعدد من المميزات والخصائص، سيكتشف بسهولة أن اعتقال عشرات من النشطاء، واعتقال رمز الحراك ناصر الزفزافي أو رفيقه في النضال الأستاذ جلول لن يقمع الحراك ولن ينهيه، لأن الحراك هنا ثقافي هوياتي، والهوية وإن انمحت مرحلياً من خلال طمس رموزها وعلاماتها، فإنها تبقى كامنة وتعاود الظهور من جديد، لكن كلما تم قمعها كلما كان ظهورها عنيفاً .
من هذا المنطلق، يجب وضع ناصر الزفزافي وأخطائه والحراك وانزلاقات خطابه في سياق هذه البنيات الأنثربولوجية، وفي سياق التاريخ المعاصر، الذي يعلمنا حتماً أن البناء لا يتم إلا عبر المرور من الهدم، ولهذا فحراك الريف فرصة تاريخية للمغاربة وللملك محمد السادس لإعلان القطيعة مع الفساد والريع وإعادة بناء مؤسسات الدولة في سياق الوحدة الوطنية، وتفكيك بنيات الممانعة المخزنية بشكل سلس ومرن.
إن معرفتي الدقيقة بالبنيات الانثربولوجية للمتخيل عند سكان الريف تجعلني أجزم أن المخزن يلعب بالنار…بالرغم من ان المسألة بسيطة. ارسال لجنة حوار من الرباط وإطلاق سراح المعتقلين وبرمجة جدولة زمنية لإنجاز المشاريع الاجتماعية والاقتصادية المتفق عليها؛ واعتذار الحكومة عن تخوين الريف. وبهذا ينتهي الحراك. وعلى صعيد متصل ما دمنا نتكلم عن الريف كجزء لا يتجزأ من البلاد، يجب إعداد مخطط وطني لدمقرطة التنمية المجالية بالدعوة إلى أقطاب اقتصادية جديدة. وإطلاق حوار وطني حول الفساد والريع والاستبداد في سياق الاتفاق المدني المجتمعي مؤسساتيا حول آليات تحقيق انتقال ديموقراطي نحو دولة الحق والقانون، مع ضرورة الالتزام بالدستور يعني ببساطة حان الوقت لكي يفهم المخزن ان المرحلة التي يمر منها المغرب في ظل خطورة التحديات الإقليمية والجهوية والدولية تقتضي أن يفسح المجال لاشتغال مؤسسات الدولة …. كفى عبثا واستبدادا؛ ارجوكم فهل من بينكم رجل حكيم؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire