فؤاد عبد المومني
الحكم الفردي المطلق!
لا أقرب إلى تعريف الحكم الفردي المطلق من تصريح الملك بالأمس، ردا على الاحتجاجات الشعبية، بأن الاختيارات الأساسية التي يحددها هو لا تخضع للتقييم والمناقشة والخلاف، وبأن واجب المؤسسات والنخب، بما فيها الأحزاب والجمعيات، هو الدعاية لها دون أخذ أية مسافة تجاهها.
التخاطب السياسي في المرحلة الراهنة يعطي صورة واضحة عن إشكالية النظام السياسي المغربي. فبعد مطالبة الشارع القوية بمراجعة الأولويات الوطنية، التي ركزها شعار "ما بغيناش التيرانات، محتاجين السبيطارات"، أجاب الخطاب الملكي يوم 10 أكتوبر قائلا :
"لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية". وأضاف ضرورة "...إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات..." التي "...هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم أنتم، السادة البرلمانيين...".
الخطاب الملكي ينفي التنافس بين توجيه إمكانيات البلد المحدودة للرأسمال البشري ولخلق فرص الشغل اللائق المستدامة، وبين مشاريع محكوم عليها بما لا يدع مجالا للشك أنها ستكون مشاريع ميتة، تخلق بعض الرواج لمدة تشييدها وتدشينها، ثم تصبح كلفتها أكبر من مداخيلها. وعوض قبول مبدأ النقاش الحر في التوجهات والاختيارات، يعتبر الخطاب الملكي أن المشكل فقط في الدعاية لهذه المشاريع من طرف الجميع، لا فرق بين أغلبية ومعارضة، وبين أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني يُفترض فيها الاستقلال والمسافة النقدية مع كل صاحب قرار. ويشي هذا الطرح بتصور للمجتمع على أن فيه عقل واحد ووحيد يفكر ويقرر هو عقل القصر الملكي الذي يحسم وحده الأولويات والمشاريع، ونخب مكلفة بالتطبيل لكل ما يرِد من القصر، وشعب عليه فقط التصفيق لما ينزل عليه من فوق وعدم التعبير عن آلامه ورفضه.
أظن أن عندنا مشكل كبير مع من يخططون التوجهات في القصر الملكي، ومن يخبرونهم بتوجهات الرأي العام وإحساسات العموم، ومن يصوغون الخطابات الرسمية. المطلوب أيها السادة ليس مزيدا من البروباكاندا التي أنهكتموها عبر تحكمكم في الإعلام الرسمي وذاك المسمى زورا خصوصيا، وعبر تحويلكم كافة الأحزاب والنقابات والجمعيات والمراكز الجامعية أو يكاد إلى أبواق تسبح بحمدكم. المطلوب تمكين الشعب من الاطلاع على مشاريع متنافسة للتنمية، كل يقترح توجهاته وأولوياته وبرامجه وميزانياته ومصادر تمويله ونتائجه المرجوة وبرنامج إنجازه، وتمكينه من الحسم بينها عبر الاقتراع الحر والنزيه والغير "مخدوم"، ومن تقييم الإنجازات وجزاء القائمين عليها بالإيجاب أو بالسلب. عدى هذا، يبقى خطابكم مجرد رفض للإنصات لنبض الشارع، وتهديدا بالخراب لمصائر البلد وأجياله الصاعدة.
https://www.facebook.com/share/17Szg8qXXr/
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire