vendredi 29 mai 2020

وداعا عبد الرحمن اليوسفي / محمد السكتاوي


Sektaoui Mohamed

وداعا عبد الرحمن اليوسفي

صفحة من تاريخ المغرب الحديث تطوى اليوم:
هذا الصباح الرمادي نودع عبد الرحمن اليوسفي أحد آباء حركة التحرر الوطني والنضال الحقوقي، كان حاضرا وقائدا في كل المنعطفات الكبرى ولحظات التغيير الحاسمة في المغرب، نَازَل سطوة الاستعمار بسيف المقاومة منظِّما ومُؤطّرا ،و تصدى له بلغة الديبلوماسية و القانون الدولي وحقوق الإنسان متنقلا في عواصم العالم ومحافل الأمم المتحدة.
وفي زمن الاستقلال ارتدى جبة المحامي للدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب وخارجه وقاد الحملة العالمية للكشف عن مصير رفيقه في الكفاح الوطني والأممي القائد العالم - ثالثي المهدي بنبركة، كما فتح جبهة الإعلام والصحافة لتحشيد الرأي العام في معركة استكمال التحرير و الديموقراطية والتحديث ،لكن سرعان ما أقدمت قوى الاستبداد والتسلط على كسر قلمه وتوقيفه وإغلاق صحيفته "التحرير" عام 1959 بتهمة التحريض على العنف والنيل من الأمن الوطني للدولة والأمن العام،ليكون أول ضحية لحرية الصحافة والتعبير في الاستقلال صحبة رفيقه المناضل الفقيه البصري.
منذ ذلك الحين أصبح مستهدفا فلم يمض سوى وقت قصير حتى ألقي عليه القبض في يوليوز 1963 في حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات وقواعد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتهمة التآمر، وصدر عليه حكم بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ، وعفي عنه عام 1965 ليبدأ حياة المنفى بعيدا عن وطنه الذي وهبه أجمل فترات شبابه.
عاد إلى المغرب عام في أكتوبر 1980، بعد تمتعه بعفوملكي ، وسيهيء له القدر طريقا آخر لا يقل صعابا وتحديات ولحظات درامية سيخلف صديقه عبد الرحيم بوعبيد على قيادة الاتحاد الاشتراكي وسيلتقي مع الملك الراحل الحسن الثاني ليحاولا معا وضع جسر التغيير الديموقراطي واستراتيجية الخروج من سنوات الرصاص والإعداد لانتقال الحكم من ملك حقبة الأخطاء وهدر الفرص والصراع المتعدد الأطراف حول السلطة إلى حقبة ملك جديد بشرعية جديدة تقوم على مفردات الديموقراطية وحقوق الإنسان والمصالحة مع الماضي والتحديث.
ومن قيادة " حكومة التناوب " فبراير 1998 إلى فتح ملفات سنوات الرصاص،
كان اليوسفي يقود سفينة التغيير في أجواء عاصفة وتحت ضربات عدو متعدد الأقنعة ، فكثير من القوى القديمة وبعض السياسيين محدودي الأفق ماكانت تريد أن تصل سفينة التغيير إلى ضفة مغرب آخر متحرر من أغلال الماضي.
ومثل أي قائد تاريخي كان يعرف اللحظة المناسبة لوضع الجميع أما مسؤولياتهم وترك الحكم الأخير للتاريخ.
في أكتوبر 2002 تم إنهاء مهمته رئيسا للوزراء بصورة صادمة وغير متوقعة.
وفي 28 أكتوبر 2003 أعلن اعتزاله السياسي فالطريق الذي سار عليها أصبحت غير الطريق.
اختار طريق حقوق الإنسان والعدالة والديموقراطية ، لكنه كان يشعر بالعزلة والخذلان يوما بعد يوم ، كان من أحلامه الكبرى أن يستضيف المغرب مؤتمرا عالميا لأكبر حركة حقوقية عابرة للقارات منظمة العفو الدولية ، لكن هذا الحلم تم إجهاضه من طرف الحرس القديم للحكم وفي مقدمتهم وزير الداخلية وقتها إدريس البصري وأعوانه الظاهرين والسريين المندسين في كل الصفوف والمواقع بين السلطة والمعارضة والصحافة .ويتذكر أعضاء منظمة العفو الدولية في آخر جلسة لهم مع رئيس الوزراء عبد الرحمن اليوسفي لإخبارهم بإلغاء المؤتمر العالمي لأمنيستي، كم كان حزينًا وظل صامتا لمدة طويلة وكأنه يدفن جزء من تاريخه إلى الأبد، وقال في الأخير بصوت جريح وقد علت ملامحه مسحة ألم عميق: إنني أخبركم بأصعب قرار في حياتي ،لا يمكنكم معرفة مقدار حزني ..وصمت مرة أخرى أمام ذهول الحاضرين، لا أحد يعرف كم مضى من الوقت ، مثل لحظة حِداد ،كان البعض يمسح دموعه والرجل ينظر إلى أعلى نظرة غامضة.
شعر الجميع وهم يخرجون من مكتب رئيس وزراء المغرب عبد الرحمن اليوسفي أنهم يتركون وراءهم رجلا آخر وأن صفحة من التاريخ قد أغلقت وأن مابعدها سيكون بدون روح مناضل كبير.
لا أحد ينسى في أمنيستي أن عبد الرحمن اليوسفي سبق له أن حمل قضية حقوق الإنسان في المغرب خلال سنوات الرصاص لمؤتمرها الدولي ببوسطن ووقف مئات المؤتمرين احتراما له وهو يلقي كلمة مؤثرة في الجلسة الافتتاحية ، واختارت المنظمة إثر مرافعته الحقوقية الرفيعة أن تجعل المغرب من بين أولوياتها لإحداث التغيير وتنظيم تحرك عالمي لكشف واقعه المزري في مجال حقوق الإنسان ، فسلطت الضوء لأول مرة على المعتقل الرهيب لتزمامارت وملفات الاختفاء القسري ومعتقلي الرأي والمنفيين والإعدامات وحرية التعبير والرأي.
وقد استجاب الملك الراحل الحسن الثاني لهذه الحملة التي قادتها أمنيستي وأشعل شرارتها عضوها الشرفي عبد الرحمن اليوسفي ، بإعلان تأسيسه للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتوجيه أعضائه بالنظر إلى مطالب منظمة العفو الدولية والتفاعل معها إيجابًا أوسلبا بحسب معيار الحقيقة وصحة المعلومات والوقائع.
لقد زرع اليوسفي بعيداً عن الأنظار الكثير من البذور الطيبة، تفتحت بعضها وأزهرت وكثير منها داسته حوافر السلطة العمياء ولوبيات المصالح وأعداء التغيير.
"ما كلّ مايتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"
لم ينزل اليوسفي من سفينة النضال الديمقراطي والإنساني، بل الرياح دفعت
الأشرعة في اتجاه آخر.
سنرى غدا، ماذا سيقول التاريخ،
لكن ماهو مؤكد الآن
أنه في الليلة الظلماء يفتقد البدر

الصورة: عام 1998 عبد الرحمن اليوسفي رئيس وزراء المغرب
يوقع في مكتبه بالتواركة بالرباط تجديد عهده والتزامه باحترام الاعلان العالمي لحقوق الإنسان بحضور الأمين العام لأمنيستي الأسبق بيير ساني وعدد من مسؤولي المنظمة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire