jeudi 24 septembre 2020

المسألة القومية في المغرب / عذري مازغ

 



عذري مازغ

تحديد المسألة كمنطلق : كل مجال جغرافي يسكنه قوم أو أقوام وغالبا تتميز بتنوع ثقافي لغوي و"نمط" اقتصادي معين يميزها عن باقي المناطق الأخرى، فمنطقة الأطلس المتوسط تختلف نوعيا عن منطقة سوس والريف والمناطق الأخرى وإن كان يشترك معها في خاصائص أخرى، هذا التنوع لا يعني تنوعا مستقلا بذاته، فجميع هذه المناطق تعرف اندماجا سكنيا لا يستهان به بشكل يتحول تحديد الهوية من نمطها القبلي القديم إلى نمط حداثي مختلف، أي ان هوية منطقة معينة لا تحدد بالنمط القبلي العرقي القديم بل تتحدد بمجالها البيئي العام، فعندما نقول مثلا منطقة زايان بالمغرب، نقصد ذلك الإجتماع الإنساني المندمج الذي ينتمي إلى منطقة زايان، أي كل الناس القاطنين بالمنطقة وتأثروا بهذا الشكل أو ذاك ببيئتها، لكن لماذا يجب التأسيس على هذا النمط وليس على نمط العرق والجذر التاريخي القديم؟
ببساطة لأننا مجتمع متحول بشكل لا يمكن القفز على هذا التحول، ثم إن علاقة الإندماج الحداثية تجاوزت ضيق أفق القبيلة التي كان قديما يعتمد مجالها، ثم إن الدراسات العلمية الجينية تثبت أن نسبة الأجناس الأخرى الغازية على اختلافها لا تتعدى القوية منها 10%، فأصل سكان المغرب هم سكان شمال إفريقيا وهم افارقة بشكل عام وهذا الآن معطى يتحول في وعي الناس إلى حقيقة، فالكثير ممن يعتقد ان جذوره يونانية او تركية او عربية أو إسبانية ثبت الآن بالتحليلي الجيني أن نسبة عنصر الأمازيغي فيه تفوق 85%.
أمر آخر يؤكده علم الجينات هو أن تأثير جيراننا فينا اقوى من تأثير البعيدين عنا والعكس بالعكس، وهذه حقيقة موضوعية لأن علاقة الجوار ليست فقط الغزو المتبادل بل أيضا المصالح المتبادلة تاريخيا والأشكال الإندماجية العفوية تاريخيا.
الإستئناس بإسبانيا في فهم إشكال القوميات:
يعالج الإسبان القضايا القومية على أساس حداثي مرتبط بالدولة المدنية وهذا لا يعني أنه ليس هناك وجود شرخ في تحديد الهوية بين تيار الوطنية الإسبانية (الفرانكوية بالتحديد) الذي يهدف إلى تأسيس إسبانيا موحدة في كل شيء، وتيار القوميات المحلية التي يعنيها الإعتراف بتنوعها واستقلالها الإقتصادي والسياسي والمجالي أمرا ضروريا، وعموما إن أساس الحداثية في التعريف القومي الذي تتبناه جميع القوميات في إسبانيا مبني على تحديد مدني وليس عرقي: "كل إنسان ينتمي إلى مجال جغرافي معين، يقطن به، يعمل به ويدفع واجباته المدنية هو ابن ذلك المجال القومي" ويترتب على ذلك احترام ثقافة وتنوع ذلك المجال، لكن هذا لا يعني أن هذه الهوية المدنية المجردة من الإنتماء العرقي والمحددة للإنتماء القومي بالإنتماء إلى المجال تفقد القومي معناه كما في التحديدات القديمة المبنية على العرق بل هناك تكييفات متناسبة تحفظ التنوع، ففي المجال القومي للناس الحرية في استعمال أي لغة يحسنون التعبير بها لكن في الوظائف العامة المهمة يشترطون اللغة المحلية في التوظيف كما يشترطونها في التجمعات العامة والمظاهرات وما إلى ذلك مع إعطاء الرموز المحلية (المجالية) ألاولوية في تسمية مدنهم وأقاليمهم وساحاتهم العمومية وشوارعهم مع وجود امور اخرى تدخل في هذا السياق تتعلق بالتدبير السياسي والمالي والإجتماعي في صالح المجال من قبيل تشريع قوانين تحافظ على السيولة النقدية بالمجال مثلا: الإمتيازات والتعويضات الإجتماعية لمواطني كاتالونيا وأقاليم الباسك تقترب أو تتفاوت بشكل ما مع التي في فرنسا أو ألمانيا وللحفاظ عليها يشرعون قوانين مجالية، مثلا، مثلا يمكن للباسكي الأصلي ان لا يستفيد من هذه التعويضات إذا كان يسكن خارج المجال الباسكي، بمعنى ليس أصله هو من يعطيه هذه الحقوق، بل انتمائه للمجال وهذا يسري على جميع مواطني هذا المجال.
عندما ننتقل إلى المغرب فالمقارنة مستحيلة تماما، فالمجالية بمفهومها التاريخي المتحول تختلف عن شكلها الآني الثباتي في وجودها المخزني، ليس هناك استقلال للمجالي في التدبير السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ليس هناك للمجالي اولويات مجالية بل الرباط من خلال قواديها وعماليها هي من يحدد كل شيء، واصلا لم يعرف المغرب صراعا إقليميا ينتزع المجالي فيه بعض استقلاله السياسي، فالجماعات والبلديات والمجالي بشكل عام بالمغرب لم يحددهم السكان بل المخزن والتحديد هذا ادخلنا في إشكاليات عقيمة: إذا أردنا أن نحدد الصراع المجالي في المغرب برغم تشتيت المخزن للوعي القومي سواء بمفهومه الحداثي أو حتى العرقي (تشتيت بمعنى خلق الهوة بين الوعي بالمجالي الحقيقي والوعي بالمجالي المخزني، وأعتذر إن وقعت في الخطاب الأكاديمي الفارغ كما يبدو في خطاب تقارير اللجن التي يعينها الملك حول وضع تقرير معين حول قضية معينة حيث تترصع المفاهيم بدون أية دلالة حقيقية)، أقول إذا اردنا تحديد هذا، يمكن الرجوع إلى مفاهيم السوسيولوجيا الاستعمارية الفرنسية: المغرب المديني والمغرب السيبي (من السيبة) او ما نتج عن ما يسميه البعض ب"الظهير البربري" وتبعا له خلق مصطلح "المغرب النافع" و"المغرب غير النافع" وهو مصطلح التثقيف المخزني الذي من آلياته تحويل موارد المغرب "غير النافع" إلى "المغرب النافع" الذي بموجبه تم ترصيع مجالين للثقافة واللغة مهيمنين يتصارعان، واحد او واحدة هي فاس (تنتمي إلى المغرب النافع،) حيث هي مركز الفقه والتعليم الاصولي وتتبنى لغة القرآن كآلية للهيمنة برغم وجود جامعة وضعية بها والثاني او الثانية هي الرباط والدار البيضا حيث تتمركز الثقافة الكولونيالية الفرنسية اللتان ورثتا الإدارات العامة الفرنسية في اتفاقيات "إكس ليبن" وهما أيضا تنتميان إلى "المغرب النافع" (لم أذكر مراكش لسبب موضوعي تشكل فيها نمط منفصم ينتمي من جهة للفقه الأصولي، زمن جهة اخرى للولاء لفرنسا، ومن جهة ثالثة ولاء لمراكش مستقلة ظاهرتها العلامة القايد لكلاوي ولم اذكر طنجة لوضعها الدولي الخاص). وعليهما تأسس صراع اليوم حول الهوية في المغرب بين مهيمنين بالفقه واللغة العربية وثقافة المشرق ومهيمنين بالثقافة الوضعية الكولونيالية واللغة الفرنسية.
حين تطرح الهوية المغربية تطرح مسلمة فائقة التحديد: هو دولة عربية إسلامية ماعدا ذلك هو مؤامرة (هذا اسميه التحديد الفقهي للمغرب، تحديد اهل فاس او بتدقيق تحديد مدينيي الحركة الوطنية التي لسانها الآني هو حزب الإستقلال زمان كان يسمى بالكتلة التاريخية) وتحديد مدني يرتكز على المؤسسات التي أحدثتها فرنسا بتوافقات مع العلويين الذين نجحوا في خلق دولة تقوم بالتواترات حسب تحليل الأمركي واتير بوري: أي ان دوامها يقوم بتقريب كل الذين لهم تأثير في المجتمع من سياسي وفقهي وغيرهم ولا شك ان الحسن الثاني أبدع في الأمر في تقريب عبد الرحمان اليوسفي وكتلته مع الإحتفاظ بالذين لعبوا نفس الدور وانطفأت شموعهم (بوعبد،أحرضان، رضى اكديرة، على يعتة، المحجوب الصديقي وغيرهم..).
في السياسة المغربية، المغيب هو الحضيض، الشعب الهندي الامازيغي الكريم بتعبير احد اصدقاء الحسن الثاني الفرنسيين
وعلى ضوء كل هذا يتحدد الصراع الهوياتي بالمغرب: هيمنة كولونياليتين عل حساب الشعب "الهندي الامازيغي":
الهوية العربية الإسلامية
الهوية المخزنية الفرنسية بحلة الأصالة والمعاصرة، أي هذا الشكل من تكييف الأصالة مع المعاصرة لتثبيت الهيمنة يمثلها العلويون بما لهم من علاقة توافقية بين المشرق والغرب، باعتبار ان الغرب هو من يضمن لهم بقاءهم (ولو بالسلاح) والمشرق بالتبعية الدينية (العلويون احفاد النبي بالإيديولولجيا الإسلامية).
ماعدا هذان الشكلين هو نزعة عرقية
يسمي أصحاب الهوية العربية الإسلامية الآخرين بالمؤامرة (أي الذين يحومون حول الثقافة الفرنسية) فيما الذين يميلون إلى إحياء ثقافتهم المحلية بالنزعويين العرقيين.
يسمي تيار المفرنسيين أيضا هذه الموجة من التحسيس بالذات نزعة عرقية، وعليه يتفق الإثنان في أمر واحد: الامازيغيون لديهم نزعة عرقية، وصحيح ان الكثير فجرها بسبب تأثير إحدى هاتين الإيديولجيتان اللاتي تتنازعان الهميمنة السياسية في المغرب في الوقت الذي كلا هاتين الثقافتين المهيمنتان، سواء كانت من المشرق أو الغرب تتنازعان السلطة بالمغرب، والخاسر في كل هذا هو "حموحزوظ" الامازيغي الفاقد بسبب هاتين الإيديولوجيتين للبوصلة في ان يميز ما هو له في مجاله الذي هو حقه عليه القبض عليه بالنواجد وبين تلقفه لإحدى هاتين الثقافتين الغازيتين .
التشتيت الهوياتي يلعب دورا في تشتيت الوعي ودائما يجب التشبث بحكمة امازيغية، حكمة مجالية تقول: "أدايثاشكد أمز اشال" (حين تتيه شد في الأرض).
أغلب الامازيغ حتى حدود السبعينات كانوا اميين والحاصل ان الدراسة حتى حدود الثمانينات كانت تتم إما باللغة العربية او الفرنسية (الأدبي يتخصص في الادب العربي أو الفرنسي ، المتخصص في العلوم الطبيعية يدرسها بالفرنسية ) سيادة لغتين كان امرا طبيعيا (الأمازيغي ولغته همجي)
السوسيولوجيا الإستعمارية وكذلك الأنتروبولوجيا الإستعمارية هما من اهتما باللغة الأمازيغية وكان الهدف هو اكتشاف مكامن ضعف الفكر والعبقرية الامازيغية وليس لأجل تثبيتها وهذه خاصية علمية أهلت ضمنيا انتصارا للفكر الغربي على الفكر الفقهي الذ يعتمد على التلقين بالقمع خاصية الفكر المشرقي: لا تستغربوا مثلا ان فلسطينيا من حماس يحذر الأمازيغ بالقول أننا ضيوف عندهم في وطننا (نشرت مقالا سابقا في الموضوع بالحوار المتمدن فيه اسم هذا الشيخ الحماسي). هذه السوسيولوجيا او الانتروبولوجيا الفرنسية بالتحديد التي وظفها دعاة النهوض بالثقافة الامازيغية هي ما يجعل البعض يرمي بالمؤامرة على الأمازيغ مع الفرنسيين، لانهم اعتمدوا نفس صيغ اكتشاف الغرب للذات الأمزيغية في فهم ذاتهم: المؤامرة الفرنسية كانت تهدف عبر دراساتها السوسيولوجية والانتروبولوجية إلى فهم سكان المغرب للسيطرة عليهم، والحال انه، بغض النظر عن خلفيتهم، هم ساعدوا بذلك على فهم الامازيغي لذاتهم واستعملو ذلك ضدهم، مثل الذي استعمل السيف للإخضاع، إن اكسيلا الأمازيغي الذي قتل عقبة بن نافع وهو يغزوا على سكان عزل من الحقول ليبيع سباياه في دمشق كان أيضا فهم بالنمط نفسه لسان الغزاة بالمشرق، استعمل لغتهم ضدهم : استعمل السيف ضدهم.
يختلف فهم استعمال سلاح معين ضد غزو معين حسب الحاجة: حتى الجيوش لكي تنتصر يجب ان تعرف نقط ضعفها ونقط قوتها: عبر ذلك تعرف أن تستعمل افتراضات للهجوم أو التصدي للجيش العدو.
نحن بين ثقافات تستهدفنا كلها متآمرة، الإنتصار للذات هو كشف هويتنا، كشف عقليتنا، كشف قوتنا وكشف ضعفنا، نحن في شمال إفريقيا لسنا لا عرب ولا غربيون، نحن ناس عاديون يتشبثون بأرضهم وبمجالهم.
في السياسة المجالية بالمغرب: مريرت نموذجا (وهذا مايثير الصعوبة في المقارنة عندما أشرت إلى المسألة القومية بإسبانيا)
أغلب مدارس مريرت لها أسماء لا يعرفها أبناء مريرت، حتى ثانوية مربيع (اسم النهر الذي ينتمي غلى مجالها) لها اسم ام الربيع، تحمل اسم النهر المغربي المعروف الذي اسمه الحقيقي هو موربيع (اسم امازيغي)
أغلب شوارععها اسماؤها غريبة عنها، بينما معاركها التاريخية الرمزية غفلت بالمرة منها مثلا معركة "ثين مريرت"
أغلب أسماء الناس والمواليد تتحكم فيها لائحة الداخلية بشكل بدأت تموت الاسماء الأمازيغية من تلقاء ذاتها: اسماء مثل تاوسيدانت، اخريدجة، عدجيبة، أسماء كثيرة انقرضت، مثل قسو، حمو (ليس حمورابي) وغيرهم
في سياسة التدبير:
برغم وجود اطر بمريرت يمكنك ان تتفاجأ بدخول أطر من اقاليم أخرى موظفة بمريرت (على سبيل المثل، لم تحظى مريرت في تاريخها بقايد مخزني محلي، ليس الامر عنصرية بل هناك اولويات: أطر محلية موجودة لا يمكن الغستغناء عنها بإيجاد اطر من منطقة اخرى، حتى فرنسا في ادبياتها القانونية بالمغرب عملت هذا، في جبل عوام مثلا، هناك قانون يلزم تشغيل ابناء المنطقة قبل غيرهم ما عدا غذا تعذر ألأمر من قبيل الحاجة غلى مهندس غير موجود بالمنطقة، يعني أن السياسية الفرنسية من خلال تشريعاتها لها حس مجالي)، اكثر من ذلك جماعة تانفنيت تدفع اجور اطر لا تعمل في دائرتها
في مريرت مثلا، او حتى إقليم اخنيفرة الذي يعبر على مجال معين، الاسماء والمدن والقرى المحلية غير موجودة في أحيائها وشوارعها (أشك في وجود زنقة جبل عوام بخنيفرة (موجودة بمريرت)،زنقة تيغزة أو اكديم، او انكزدم أو تافر نامساوت أو تافرنت وامان او حتى زنقة اكلموس) في إقليم يمثل هذه المناطق، (ذكرت فقط الأسماء التي حضرت في لحظة كتابتي هذه) ). رجال الأمن في الإقليم (حتى وإن كانت هناك شرطة محلية وأخرى وطنية تعيينهم تم من طرف وزارة الداخلية)
رئيس الجماعة أو رئيس البلدية المنتخب لا سلطة له على رجال الأمن (لا اتكلم عن الامن الوطني، اتكلم فقط عن امن البلدية او الجماعة)، وبالتالي حتى ضرائب مخالفات قوانين السير المسجلة بالمنطقة لا يطلع عليها اعضاء المجلس البلدي ليعرفوا حسابها في العلاقات مع الدولة المركزية.
كيف للدولة المغربية ان تقيم انتخابات الفائز فيها لا قيمة له؟
سأعود إلى طرح الهوية وأرد على اصحاب طرح المؤامرة:
"ليست المؤامرة هي فقط من جهة الغرب مؤامرة بل هي أيضا من جهة المشرق.. هذه النظرة التقليدية أصلا كانت مبنية على غياب تام لرؤية الذات كذات لها هويتها الخاصة تجاه تيارين تلقفهما المغاربة عبر التاريخ بفضل هيمنة إيديولوجيات معينة بالتداول عبر تاريخ طويل بشكل غيب تأثيرها هوية الذات ومعرفتها.. عندما نساند لقفا ثقافيا على آخر فنحن بالضرورة نساند مؤامرة جهة ضد مؤامرة جهة أخرى ليصير المقصي هو الذات التي في تحديد التيارات المتنافسة هذه، في الهيمنة، تعتبرها قدحا بالصراع العرقي: الأمازيغي النزعة المناصر لذاته عرقي، الآخر اللاقف سواء كان من المشرق أم من   الغرب لا عرقي .. هذه بالتحديد هي ثقافة البؤس". 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire