لم تكن الشهادة يومًا سلعة تُباع وتُشترى، بل ظلت على الدوام دليلا صادقاً يقول إن صاحبها عبَر ليلًا طويلًا من التعب، فذاق طعم الخيبة، وتعلّم النهوض من بين الركام. الذين نالوا الشهادات بعرق جبينهم يعلمون أن الشهادات الجامعية تجسد المعرفةَ، وتُحيل على النجاة. الطلبة الحقيقيون يدركون أن الشهادة تمثل ختمًا على قلبٍ مرّ بالأسئلة الحارقة، وأنها ليست مجرد توقيع كبير على ورقة أنيقة.
لكننا اليوم في زمن يُمكن فيه لأستاذٍ أن يبيع ما لا يُباع (لا أعمم طبعاً). أن يحوّل الماستر إلى صفقة، والدكتوراه إلى إيصال. خمسة وعشرون ألف درهم صارت ثمناً لشهادة جامعية، وربما أيضا ثمنا لانهيار القيم. ما الذي ننتظره إذن، عندما يتحول أستاذ جامعي يفترض أنه قدوة، إلى تاجر يفتح باب مكتبه للبيع والمساومة بدل العلم والتحصيل؟
المصيبة الآن ليست فيما وقع فقط، بل في ما يُخلفه حدث كهذا من وراءه: "الطالب" الذي يشتري الشهادة، يدري أنه لم يستحقها، لكنه يعلّقها على الحائط كمن يعلّق كذبة. و"الخريج المزيف" يصبح بدوره "أستاذا" يقف أمام الطلبة، يحدّثهم عن البحث العلمي، يكذب عليهم لأنه لم يبحث في حياته إلا عن مَن يدفع أكثر. بهذا الشكل، يمتد الكذب كورم، ويُصبح الجهل واقعا يفرض نفسه !
نحن اليوم لا نحتاج إلى جامعات أكثر، بل إلى ضمائر أقوى. لا نريد طلابا يملأون القاعات فحسب، بل نبحث عن أساتذة يقدسون العلم ويُمجدون المعرفة. نحتاج إلى لحظة صدق، نقول فيها: نعم، لقد خنّا الفكرة، وسنبدأ من جديد. فالمعرفة في النهاية، ليست ممرًا للشهرة، ولا منصبًا للتباهي، ولا راتبا يقبض في آخر الشهر. المعرفة، حين تكون حقيقية، تُثقلك. ترفعُك ولا تُخضعك. تُطهّرك، ولا تبيعك !
ياك؟
محمد لشهب
https://www.facebook.com/share/p/1AbLZQpofW/
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire