ثراء بالتفاهات
في مدينتنا الحبيبة، غالبًا ما يُقدَّم تجميل الفضاء العمومي كعلامة على التحديث والتطور. تُجدَّد الأرصفة، تُركَّب أعمدة إنارة جديدة، وتُزرع المدارات بالزهور والكراسي، وكأن المدينة تكتسب مع كل تدخل عمراني روحًا جديدة. لكن، ماذا نقول حينما يتحول هذا الفضاء إلى معرض للتفاهة البصرية والسطحية الرمزية؟ حين يصبح التدخل العمراني أداةً للتشويه بدل أن يكون حاملًا للمعنى؟ المثال الصارخ على ذلك هو المجسم الذي تم وضعه وسط مدارة قرب "ساحة الثيران".
يحاول المجسم أن يكون نسخة مصغرة من مبنى حلبة الثيران التاريخية، وهي معلمة ارتبطت بزمن الاستعمار الإسباني حين كانت مصارعة الثيران لا تزال تُمارس في المدينة. لكن، ما الذي تبقّى من هذا التاريخ في هذا المجسم؟ لا شيء تقريبًا. لا إشارة إلى الطقس، لا حضور للثور، لا سردية بصرية تربط بين المبنى والحي الشعبي الذي يحتضنه، ولا حتى لمحة نقدية أو توثيقية للسياق الزمني للمكان.
الأدهى من ذلك، هو ما كُتب في أسفل المجسم بثلاث لغات. بالعربية بلاصة طورو وهي ترجمة نُطقية للإسبانية، دون أي اجتهاد لغوي أو دلالة ثقافية. أما اللغة الأمازيغية، فهي غائبة تمامًا، رغم أنها لغة وطنية رسمية إلى جانب العربية. وكأن التعدد اللغوي للمغرب لا يخص المجال العمومي، أو كأن أمازيغية البلاد لا تستحق مكانًا في الفضاء العام.
هذا النوع من المجسمات يعكس رؤية سطحية ووظيفية للفضاء العام، حيث يتم "ملء الفراغ" بلا تفكير ولا حس إبداعي. الذاكرة تُختزل في الشكل، والهوية تُحول إلى ديكور، والتاريخ يُحذف من المعادلة.
الأسوأ من ذلك، أن مثل هذه "المعالم" تتكرر وتُطبع في الأذهان كأمر طبيعي. ومع مرور الوقت، نُطبع على الرداءة، ونكفّ عن التساؤل. يتحول الفضاء العام إلى ديكور بلا روح، بلا إلهام، بلا معنى.
إذا أردنا لمدننا أن تُعبّر، أن تُلهم، أن تُعلّم، فعلينا أن نحسن الإصغاء. أن نمنح الكلمة للفنانين، للمؤرخين، وللسكان أنفسهم. أن نعيد للفضاء العمومي روحه كمجال للذاكرة، لا كمجرد خلفية لمرور السيارات. وإلا، فسنستمر في تزيين شوارعنا بالتفاهات، ونعتقد – عن خطأ – أنها نُخلد التاريخ.
محمد الحراق
https://www.facebook.com/share/p/1BtFTFbMeP/
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire