lundi 21 octobre 2019

الشعب اللبناني يكتب البيان الوطني التاريخي في الشوارع/ سمير دياب



سمير دياب
إنتفاضة 17 اكتوبر 2019، في لبنان، هي اللحظة التاريخية للشعب في معركتة الطبقية والاشتباك الديمقراطي المباشر ضد نظام الاستغلال والنهب والفساد والمحاصصات والسياسة التبعية والاقتصاد الريعي والتنمية الوهمية والفيدرالية الطائفية ..
قامت هذه الانتفاضة الوطنية على وقع مغالاة الحكومة الحالية في وضع سياسة ضرائبية ثقيلة جداً على الفئات الشعبية المفقرة، تنفيذاً لخطة التقشف ومدتها ثلاث سنوات بهدف تقليص العجز إلى 6% بعد افراغ الخزينة في حسابات الطبقة الحاكمة. التقت الحشود الشعبية عند نقطة رفض الضرائب كلياً، ودعت إلى استقالة الحكومة واستعادة المال المنهوب.
الضرائب، ربما، كانت القشة التي أطلقت شرارة الانتفاضة، لكن في حقيقة الامر، فإن تزايد الفقر والبطالة والهجرة، وانعدام وجود خطط تنموية للاسكان والاستشفاء والضمانات والشيخوخة مع تفاقم ازمة توفير الخدمات العامة من كهرباء وماء وطرقات ونقل ونفايات، وزيادة الغلاء واستفراد حكم المصارف والتلاعب بالعملة الوطنية .. واستشراء الفساد والصفقات غير الشرعية وفتح أبواب التهريب والتهرب من الضرائب وافتعال أزمات البنزين والمازوت والخبز والدواء .. أدت هذه القضايا إلى نفاذ صبر الناس والنزول الى الشارع والتعبير عن غضبهم لكل تركيبة وبنية ومكونات النظام السياسي –الطبقي – الطائفي.
لليوم الخامس على التوالي، والانتفاضة تكبر وطنياً وتكسر حاجز اللعبة الطائفية والمذهبية التي سادت بعد إتفاق الطائف عام 1990. وتتخطى لعبة المحاورالداخلية التي سادت بعد عام 2005 . لقد فاقت الانتفاضة الشعبية كل توقعات زعماء النظام وأصحاب الأحزاب الطائفية ومعهم الطغمة المالية وحكام المصارف من حيث حجمها وخطابها ووطنيتها، وجعلتهم يبحثون عن مخرج سريع للتخلص منها، عبر رمي أوراق لبنود إصلاحية سريعة، كانت قبل ساعات ماضية قليلة بمثابة معجزات ومنها: الغاء الضرائب على الفقراء في موازنة 2020 التي كانت مقررة لسد العجز وفق شروط قروض مؤتمر ( سيدر) والبنك الدولي وصندوق الدعم الدولي.
حيث وصل استهتار الحكومة بجماهير لبنان الى التفكير بوضع ضرائب على الشبكة العنكبوتية (6 دولار شهرياً على الواتس آب) أي فرض ضرائب على خدمة لا يقدمونها بالاساس.
خمسة أيام أحدثت نقلة نوعية في تاريخ لبنان، فالشعب اللبناني يكتب بيانه التاريخي في الشوارع ويقول لكل ارباب النظام " أرحلوا" . العالم سمع الفقراء يصرخون من وجعهم، قهرهم، حرمانهم، استغلالهم، بطالتهم وحقوقهم المهدورة. وتحدثوا عن مآسيهم من العصابات الطائفية والمافيات والسمسرات، وعن حاجتهم للطبابة والشيخوخة والسكن والغاء قانون الايجارات التهجيري وعن حقوق المرأة والشباب والطفل...
خمسة أيام وشوارع العاصمة والمناطق تختبر حضور الناس، وتعيش معهم لحظات اختراق جدران الطائفية والممنوعات الزعاماتية، كما تختبر فرص البحث عن مستقبل للمواطنة وكرامة الإنسان.
لقد منحت الانتفاضة الشعبية الفرصة للتحول من الخوف الى الجرأة، ومن السكون إلى الحركة، ومن حالة الموت إلى تجديد نبض العمال والشباب والنساء.. في وقت تحاول أطراف السلطة استثمار الانتفاضة، كلً حسب مصالحه الطبقية والسياسية واتجاهاته، واللعب على العصبيات الطائفية..والاستفادة سريعاً من اعادة الشحن الطائفي قبل أن تستطيع قوى البديل الوطني الديمقراطي من تنظيم صفوف الجماهير وتوظيف انتفاضتهم في خدمة اهدافهم، التي هي اهداف معركة التغيير الديمقراطي .
ثلاثون عاماً قدم خلالها الشعب اللبناني التضحيات الكبيرة من دمه وعرقه وتعبه من أجل الاصلاح والتغيير، بعد أن حرر بصموده ومقاومته الأرض من رجس المحتل الصهيوني. لكنه لم يأخذ مقابل ذلك، سوى : الوعود وإغراق البلد في التبعية والطائفية والمذهبية والديون وسرقة الاملاك العامة البحرية والنهرية وتشويه البيئة والطبيعة ونهب صناديق الدعم والاستيلاء على كافة المشاريع والصفقات وفق محاصصات متفق عليها في المراكز والمواقع والوظائف والادارات وصولا للتعاقد الوظيفي.. ولم تترك الحكومات المتعاقبة فسحة أمل للخروج من الازمة الوطنية التي باتت عبئاً ثقيلاً على كل فئات الشعب اللبناني.
في هذه الانتفاضة التاريخية الوطنية توحدت الأجيال في تطلعاتها، وعدوى الشعارات ذاتها انتشرت في الساحات والشوارع لأنها تتنفس من الرئة ذاتها، مطالبة باسقاط الحكومة والعمل والصحة والسكن والاستشفاء والتعليم والخدمات والحياة بكرامة، واستعادة الاموال المنهوبة.. كسروا صمتهم، وتجاوزوا أقفاص طائفيتهم ، واطلقوا العنان لمبادراتهم المغيبة ظلما وقمعا طائفيا منذ عقود زمنية طويلة.
الانتفاضة الشعبية الوطنية تحمل أبعاداً سياسية واجتماعية، رغم كل الظروف الداخلية والاقليمية والدولية . وعليها، أن تكون بمستوى احلامها، في استمرارها وتجذيرها وتنظيمها وطرح مراحل مطالبها لاكمال مسيرتها الديمقراطية السلمية من جهة، والوعي في استمرار يقظتها الثورية وحركتها والتصدي للثورات المضادة الوهمية المدفوعة أو المأجورة أو المشبوهة، أو لمحاولات حرفها عن أهدافها بأبر مهدئة أو بطروحات شعبوية أو تحريفية أو طائفية، أو محاولة ربطها ودفعها بقرار من الخارج... كل ذلك، مرت على الشعوب العربية، والشعب اللبناني قادر على التصدي لكل هذه المحاولات التي تريد سرقة أو تثمير أو تجيير الانتفاضة لمصلحته الفئوية أو الطائفية أو السياسية... من أجل بناء وطن عربي ديمقراطي علماني ومقاوم.
قد تستطيع الانتفاضة تحقيق بعض المطالب الاصلاحية القليلة التي ستحاول السلطة تقديمها لفكها وتفريقها تمهيدا للقضاء عليها.. لكن لحظة الانتفاضة من الضروري أن تؤسس الى تنامي حركة شعبية ديمقراطية من أجل :
- استقالة الرؤساء الثلاثة..
- قيام هيئة وطنية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد يقوم على :
* قانون إنتخابي وفق لبنان دائرة واحدة ونسبية خارج القيد الطائفي، واجراء انتخابات على اساس ذلك.
*الغاء الطائفية.
*قانون مدني للاحوال الشخصية.
*نظام اقتصادي وطني منتج يوفر فرص العمل للشباب. نظام ضريبي لكل حسب دخله.
*وضع خطة تنموية شاملة للاسكان والصحة والتعليم والشيخوخة والضمانات الاجتماعية..
*الغاء كل اشكال التمييز ضد المرأة ، واعطاء كامل حقوقها، وحقوق الشباب.
* تأميم اموال المسؤولين المتناوبين على الحكم والسلطة منذ 30 سنة، مع شركاتهم ومؤسساتهم لاستعادة الاموال المنهوبة واجراء محاكمات قانونية.
* الغاء كل صناديق ومزاريب الهدر والفساد.. ما
طبعاً، هذه عناوين عامة فقط، وغيض من فيض مستوى التغيير المطلوب على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية ... لكننا نستطيع القول أن الانتفاضة الشعبية في بداياتها، ودرب النضال متاح لأن أهداف الانتفاضة كبيرة، وعملية تحقيقها معقدة ومتشابكة.. اما مهمة الشيوعي واليساري والديمقراطي فأساسية وأكثر من ضرورية في مرحلة المخاض هذه. وعليهم جميعها ، أن تكثفوا من حضورهم المنظم والفاعل والمبادر.. وأن يعمدوا الى التنسيق وتشكيل لجان ميدانية شعبية لمتابعة حركة الانتفاضة في بيروت والمناطق لتجذير المطالب الاجتماعية والارتقاء بها إلى مستوياتها السياسية لخوض المعركة بشعارات وخطط وبرامج بما تتلاءم واهداف معركة التغيير إلى جانب الجماهير الشعبية. وهذا من شأنه أن يشكل حصانة وحماية للانتفاضة وتمكنها من تخطي المراوحة، وكسر الرهان على فرطها أو استيعابها أو بث روح الشائعات المحبطة للجماهير .
اللحظة الثورية تستوجب قيادة ثورية، وبرنامج ثوري، قادر على افشال كل مخططات الطبقة البرجوازية –الطائفية والطغمة المالية ومن معهم ومن يدعمهم والتقدم بقوة الجماهير باتجاه تجذير المعركة الطبقية من اجل التغيير.
الثورات أو الانتفاضات لا تطلقها مجموعات متمردة أو متآمرة. بل تطلقها الجماهير في ظل "أزمة نظام" لم يعد يملك شيئاً لتقديمه. ولم تعد الجماهير تستطيع أن تتحمل أو تخسر شيئاً سوى الانتفاض لكسر اغلالها دفاعاً عن كرامتها وحياتها ومستقبلها.
الانتفاضة في أفضل شروطها الموضوعية. أما شروط نجاحها فمرهون بالقدرة على تنظيم الصفوف وتوحيد الطاقات الوطنية والتعبئة الثورية من أجل إحراز تقدم في سيرورة هذه الانتفاضة الجبارة التي أطلقها الشعب اللبناني، وكتب البيان الوطني التاريخي.
الانتفاضة قامت، واللحظة حانت مع الجماهير المنتفضة باتجاه تحقيق حلم التغيير بعد تحقيق حلم التحرير.
21/10/2019

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire