ابتهال عبد الوهاب
ضاع شادي..
خسرت بيروت ضحكتها الساخرة
خسرت القهوة رفيقها العنيد
وخسرت فيروز وجهها الآخر…
ضاع شادي
ولكنه لم يضع وحده
ضاع السؤال الذي كان يملأ صباحاتنا: بكرا شو؟
فمن الآن فصاعدا…
بكرا صامت، لأن زياد لم يعد هنا ليملأه بصوته الساخر، وموسيقاه الحزينة، ونكاته الجارحة كالحقيقة.
لكننا لا نقول مات زياد
لأن زيادا لا يموت
هو من أولئك الذين لا يودعون، بل يسكنون في خلايا الذاكرة
في نبرات الأغاني وفي الشرفات التي شربت قهوتهم مع أغنياته
في ضحكة ساخرة على الخيبة.. وفي زفرة جريحة من قلب بيروت
زياد
لم يكن مجرد نغمة خارجة عن السرب
بل كان السرب ذاته حين يقرر أن يهاجر من الواقع إلى الوعي
كان العقل الغاضب في زمن الخنوع
الصوت المختنق الذي اختار أن يسمع رغم الضجيج
وكان الحزن إذا ألقى خطبة في مقهى
والحب إذا خلع معطفه ونام متعبا على الدرج
زياد. ابن فيروز؟
لا
هو ناي فيروز حين بكى
هو الوجه الآخر لصوتها
هو صوت الوطن حين يصبح الوطن ذاكرة لا تعترف بالزمن.
في حضرة فيروز، كان زياد الابن والعازف والمشاكس،
وفي غيابه، يصير الكون يتيما مرتين
يتيما من الأغاني القادمة
ويتيما من الحكايات التي كان وحده يعرف أن يرويها
يا زياد :
كنت تحاور اللهجات وتسخر من الطائفيه
تخاصم الموت بالضحكة
وتؤمن بأن الخيبة موقف لا هزيمة
كنت سؤالا مؤجلا عن العدالة
وجوابا ساخطا عن الحب
فمن يسائل بكرا شو بعد الآن؟
زياد…
لم يكن مجرد موسيقى. بل كان موقفا من العالم
كان فكرة تمشي على الأرض
كان المتفرج الساخط الذي يرفض أن يكون جزءا من المسرحية
لكنه الوحيد الذي يفهم النص كاملا
لقد أحرقت الورقة الأخيرة في دفتر الانتظار،
وغادرت دون استئذان كأنك تغادر مسرحا فقد جدواه
نم يا ابن الضوء
نم يا من علمنا أن الحزن قد يكون فنا
وأن الوجع يمكن أن يعزف
وأن الثورة أحيانا لا تحتاج إلى أكثر من لحن وكرسي ومذياع. وكوب قهوه
نم
فالعالم بعدك سيظل ناقصا. لكنه مدين لك ببعض المعنى
وإن سألنا أحدهم عن الغد
سنقول
بكرا؟ بكرا في حزن، لأنه زياد رحل
وداعا العظيم زياد الرحباني
https://www.facebook.com/share/p/1C3M8GhTn2/
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire