lundi 12 mai 2014

في الحاجة إلى نقاش مجتمعي، علمي و واسع حول حرية المرأة


في الوسط الإجتماعي والعائلي: إن الظاهرة الخطيرة والوخيمة النتائج هي ظاهرة استبطان المرأة لدونيتها ودفاعها عن أشكال العنف المسلط عليها. وتتحوّل آليات الدفاع هذه إلى موجّهات سلوكية تتخذها المرأة في تنشئة أبنائها إجتماعيا. وبالتالي تساهم، تحت الضغوطات والإكراهات الإجتماعية contraintes sociales)) في إعادة انتاج أشكال العنف المسلط عليها والموقع الإجتماعي الدوني الذي يصاحبها إلى أن يتخذ شكله البنيوي حسب نظرية النسق الدوركهايمية système durkheimien)) التي تقرّ بأسبقية المجتمع على الأفراد. المجتمع بما هو جملة من المؤسسات الإجتماعية المختلفة تحتوي على جملة من التصوّرات والتمثلات والمواقف الإجتماعية التي تتحوّل إلى نسق جماعي ومجتمعي يبتلع الأفراد ويقولب وينحت سلوكاتهم وممارساتهم حسب ما يمليه ذلك النسق الإجتماعي للتصورات والقناعات والمعتقدات...

إن كل ما ذكره دوركهايم لا يجب أن يحجب الموقع الاجتماعي للأفراد حاملي تلك التصوّرات، في البناء الطبقي للمجتمع لأن هذا الأخير لا يفرز نسقا واحدا متجانسا ينبغي على الأفراد الإندماج في صلبه، بل ينتج جملة من الأنساق الإجتماعية تختلف باختلاف انتماء الفرد إلى فئة إجتماعية معيّنة أو طبقة إجتماعية معيّنة. إن مبدأ التناقضات الإجتماعية هو الذي يؤسّس لفكرة الصراع الإجتماعي التي تقف في قلب هذا التصوّر.

إن مقولة الاندماج الاجتماعي عند دوركهايم كأداة مفاهيمية، بقدر دقة وعلمية آليات التحليل الاجتماعي التفسيرية إلا أنها لا تكشف عن أشكال العنف المسلط على المرأة وأصل نشأتها. فقد اقتصرت هذه الأداة النظرية على توصيف مسألة توارث العنف ضدّ المرأة بناء على الإكراهات الاجتماعية المسلطة على الأفراد في إطار النسق الإجتماعي والبنية الاجتماعية.

يفتقد هذا التفكير إلى منطق الصّراع الاجتماعي الذي أفرز أشكال العنف بين الجنسين. فالعنف نتاج طبقي لأنه كلما انحدرنا في السلم الاجتماعي إلا وبرز هذا العنف واضحا جليا معنويا رمزيا وماديا جنسيا جسديا بينما كلما صعدنا في السلم الطبقي إلا ونقص العنف ضد المرأة. لماذا؟

ينبني الزواج كمؤسسة إجتماعية في المجتمع الرأسمالي الطبقي على علاقات قرابية وعلاقات نسب أخرى قائمة على المصلحة الإقتصادية المشتركة. وأن اختيار القرين هو اختيار عقلاني يميل نحو عقلية الربح والمنفعة الإقتصادية، حيث يميل الرجال غالبا إلى اختيار القرين المنتمي إلى فئة إجتماعية أرقى إقتصاديا وثقافيا بحثا عن تحسين الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للأسرة. ويحافظ الرجال أصحاب الرساميل على علاقاتهم الإقتصادية وثروتهم التي لا ينبغي لها أن تغادر إلى فئة أو طبقة إجتماعية أخرى لذلك هم يدرسون مشروع الزواج حسب مقاييس ومؤشرات معتمدة في دراسة السوق والمشاريع الإقتصادية وذلك خوفا على ثرواتهم ورغبة منهم في مزيد تكديس الثروة عبر النسب. وعليه، تتحوّل المرأة الميسورة الحال إلى أداة لمراكمة رأس المال وهو نفس السبب الذي يجعل العنف يختفي نسبيا مقارنة بالمرأة المنتمية إلى الطبقة العاملة.

ولكن المتأمل في طبيعة هذه العلاقة يكتشف أن العنف المسلط على المرأة ميسورة الحال في الأوساط البورجوازية هو عنف لامرئي، وهو أقرب إلى ما يسمّى بالعنف الرمزي حسب تعبير بيار بورديو بما أنه يجعل من المرأة أداة للربح، هو عنف يشيّء المرأة ويختزلها في بعدها المادي الإقتصادي.

إن المرأة أو الفتاة المنحدرة من أوساط فقيرة متعرّضة أكثر من غيرها لشتى أشكال العنف سواء داخل الأسرة أو خارجها. فداخل الأسرة المتواضعة يخلق الوضع المادي المتدني نوعا من التوتر المتواصل الذي يتطوّر إلى أحد أشكال العنف إن لم تكن كلها من ذلك العنف اللفظي والنفسي والجسدي... وهي حالة من الغليان الإجتماعي تدلّ على عدم وجود تواصل داخل الأسرة ولأن التركيبة الذهنية للأب والأم لا تسمح بوجود أيّ نوع من أنواع التواصل في غياب الرضى الإجتماعي عن الموقع الفردي والأسري في المجتمع الطبقي. ويضاف إلى هذا غلبة نمط التنشئة الإجتماعية التقليدي الذي يشرّع مظاهر العنف ضد المرأة وأشكال خضوعها. وهو نفس النمط الذي يحمي ظاهريا نساء وبنات الأعيان والملاك أصحاب النفوذ الإقتصادي.

أما خارج الأسرة فيقع استغلال وضعية الفقر عبر أساليب الإغراء المتعدّدة وخاصة المال لاستدراج المرأة في عوالم الدعارة وشتى أنواع الإستغلال المسكوت عنه. فالمرأة معرّضة إلى تلقي العنف بجميع أنواعه لأنها فقيرة ابنة فقير، ابنة العامل والفلاح أو من الجيش الإحتياطي المعطل إقتصاديا واجتماعيا. إن "بنات العائلات" لا يقدر أحد على الإقتراب منهنّ وممارسة العنف عليهنّ لأنهنّ تتحصّن بالرأسمال الإقتصادي والاجتماعي والثقافي والرمزي لعائلاتهن.

من أجل علاقة تكاملية بين المرأة والرجل: إن رفع الظلم عن المرأة يعدّ خطوة أساسية نحو تقدم المجتمع ورقيّه وأن العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون علاقة تكامل، بمعنى أن للمرأة خصوصية كما للرجل أيضا، وأن التركيز على دراسة جوانب هذه الخصوصية وحدودها يساعد على إرساء هذه العلاقة التكاملية. إنّ تأسيس هكذا علاقة يشترط توزيعا جديدا للأدوار يختلف بالضرورة عن الأنماط التقليدية.

وعليه، لابدّ من إعادة النظر في جملة المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية والدينية والأخلاقية العالقة في البناء الذهني للإنسان التونسي نتيجة تراكمات الإرث التقليدي الثقيل في جميع تجلياته. يبقى هذا الإرث الثقافي بشكل عام حاجزا أمام انعتاق المرأة على جميع المستويات والأصعدة. ولكنه يرتبط أشدّ الإرتباط بمستويات نمط الإنتاج بمافيه من علاقات اجتماعية للإنتاج وقوى اجتماعية له.

إن هذه التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية هي المحدّدة لذلك الإرث الثقافي وأن شروط التخلص من تلك الأفكار البالية والهدامة الساكنة في المخيال الإجتماعي التونسي، هي شروط مادية بالأساس تتعلق بالملكية الخاصة المحتكرة من قبل الرجال والتي يجب أن تمحى من أجل الحد من الفوارق الإجتماعية وسيطرة الجنس الذكوري تحت غطاء الرجولة المزيفة والمخيال الإجتماعي البالي الذي يكرّسها ويحميها. وبالتالي، لا يمكن الحديث عن مساواة فعلية وكاملة بين المرأة والرجل إلاّ في سياق عدالـة إجتماعيـة شاملـة.

على أساس ما تقدّم، تبدو العلاقة واضحة بين الموقع الاجتماعي للمرأة وظاهرة العنف المسلط عليها. حيث أن هذا العنف هو وليد التناقضات الإجتماعية. فالقضاء على ظاهرة العنف ضدّ المرأة يبقى مشروطا بإلغاء الفوارق الطبقية ومحوها من أجل إرساء العدالة الإجتماعية والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل. وبالتالي فإن تحرّر المرأة ضمن هذا السياق مرتبط أشد الإرتباط بتحرّر الطبقة العاملة من جميع أشكال العنف الطبقي التي يسلطها رأس المال.

عبّاس المُوَلهي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire